مقالات

إلغاء الموازي أو مجانية التعليم العالي.! د. مفضي المومني

مع بداية عهد وزير التعليم العالي الجديد… السابق اللاحق، والذي كان رئيس وعراب الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016-2025، بمخرجاتها الطموحة لتطوير قطاع التعليم في بلدنا، والتي نُسيت ووضعت في الأرشيف من قبل جميع الجهات المعنية وأولها الجامعات، ولم ينفذ منها أي شيء يذكر، ولا يغرنك تبجح أي رئيس جامعة بأنه ينفذ مقرراتها، الواقع يكذب ذلك، فيبدوا أن الحكومة والتي كانت شكلت لجنة لمتابعة تنفيذ الخطة، أدركت أن تنفيذ الخطة أولوية ولهذا تم أختيار الوزير الحالي ليعيد الحياة للخطة وتنفيذ ما يمكن تنفيذه من مقرراتها، وعطفاً على مقرراتها والمقترحات التي طرحها الوزير الجديد بخصوص الغاء الموازي، الذي يتفق الجميع على أنه غير دستوري وأنه يساهم في تراجع التعليم العالي ويثقل كاهل الأهالي.
صحيح أن الموازي منقذ لميزانيات الجامعات الأقدم، وخاصة التي لديها برامج بكالوريوس قديمة أسعار الساعات فيها اقل من 20 دينار، أما الجامعات الاحدث نسبياً وغالبية تخصصاتها جديدة وبأسعار ( القبول الموحد) عالية، مقابل أسعار الموازي في الجامعات ألأقدم، فهذه الجامعات لن تتاثر كثيراً بألغاء الموازي؛ ومثال ذلك جامعة البلقاء التطبيقية لأن غالبية اسعار ساعاتها مرتفعة أصلا كما أسلفت، وهنالك تفاوت كبير لعلاوة الموازي التي تدفع للعاملين بين كليات الجامعة نفسها، وكذلك بين ما تدفعه الجامعات الأخرى… !
وقد كتبت سابقاً ومن خلال إقتراحات ممكنة إذا وجدت النية أن يصبح التعليم العالي مجاني أو بأسعار رمزية جداً، وهذا ليس حلم أو تمني، فهنالك تجارب عالمية كثيرة ولدول تماثلنا في المستوى الإقتصادي والديموغرافي، وأعيد ما أقترحته سابقاً في مجانية التعليم العالي:
في خضم المراجعة لوضع التعليم العالي في بلدنا، وإدراكنا جميعا ومن باب الحرص على القاعدة الكبيرة والنوعية التي نمتلكها في مجال التعليم العالي وطموحنا بالرقي به نحو الافضل، وليس من باب جلد الذات او الانتقاص من قدراتنا، وليس من الحكمة إيضا ان ندفن رؤوسنا في الرمال وننتظر العاصفة، لدينا محددات ومشاكل وهنات وتراجع يجب ان نتحسسها ونعالجها، وكل دول العالم لديها ذلك وبدرجات متفاوتة، وقديما قالوا (الجبر قبل الكسر… !) ولا نلتفت الى من يدعي الكمال الفارغ من المضمون، معايير التقييم الحقيقية والعالمية للجامعات متاحة لمن يريد، والتقدم يأتي بالعمل الدؤوب وبمعايير عالمية اصبحت متاحة ومعروفة لمن ينشد التقدم والتطور، ولنا ببعض التجارب المحلية والاقليمية خير دليل، فقد تقدمنا البعض مع اننا كنا السباقين وكوادرنا عملت وتعمل لديهم، سبقونا لانهم عملوا ومولوا وجندوا المختصين لما يجب عمله، ولم يستندوا الى نجاحات كرتونية!
والحديث عن مجانية التعليم يقودنا الى ما يسمى رأي الإقتصادي، ورأي التربوي، واقتصاديات التعليم، فالتربوي يأخذ الراي المثالي بأن التعليم حاجة إنسانية وحق للجميع وهذا يحتاج ميزانيات كبيرة جدا، اما الأقتصادي فيقول ان التعليم يجب ربطه بحاجات سوق العمل ويؤمن بمفهوم رأس المال البشري، ومبدأ الربح والخسارة في التعليم، والعرض والطلب، حيث يعتبر بطالة المتعلم خسارة مادية على الدولة، ويؤمن بالمردود الذي يحققه المتعلم بعد تخرجه بصيغة مالية مقابل ما انفق عليه، وهو في البلدان الصناعية المتقدمة قصير المدة، واما في بلداننا فالوضع مختلف نتيجة عدم التخطيط وعدم الربط المرن لمخرجات التعليم وسوق العمل والوضع الإقتصادي وغير ذلك من المحددات.
ومن قبل صرح وزير التربية والتعليم العالي السابق الدكتور وليد المعاني انه “هنالك مشروع طموح لجعل التعليم العالي مجانيا”، قبل تصريح الوزير وفي خضم الوضع الاقتصادي والإتجار بالتعليم من قبل البعض الى حد تجاوز كل المحددات الاكاديمية المقبولة، وإدراك قطاعات المجتمع والاهالي لكلفة التعليم الجامعي وإثقاله كاهل الاردنيين، ونحن نعرف ثقافة شعبنا وحبه للتعليم، وبيع الأهالي لآخر ما يملكون في سبيل تعليم ابنائهم، كانت المناداة بمجانية التعليم الجامعي على استحياء من قبل البعض، حتى ان الجهر بذلك كان من باب الترف الفكري!، اما وقد صرح به معالي الوزير الاسبق وتبعه تصريح مباشر من الوزير الحالي بما يخص الغاء الموازي، فنشد على يد الحكومة ومجلس التعليم العالي ووزارته؛ ونتأمل ان تنفذ هذه المشاريع والمقترحات الطموحة باسرع ما يمكن، لعدة اسباب منها: تخليص الإدارات الجامعية من الإنشغال بالتمويل والأمور المالية والرواتب وغيرها وتركيز الجهود نحو العملية الأكاديمية والتطور والبحث العلمي، وايضا التخفيف عن كاهل المواطنين وخاصة غير المقتدرين والغاء التمييز في الحصول على التعليم الجامعي (عادي قبول موحد، أو موازي) وحصره بالقدرات والميول وليس بالفئات المختلفة او من يستطيع الدفع، نعم يمكن الوصول لمجانية التعليم الجامعي وهنالك بلدان عديدة تطبق ذلك، من خلال مشروع حكومي اجتماعي يمكن تسميته (صندوق التعليم الوطني) ليحقق التكافل بتمويل التعليم الجامعي من الحكومة والشعب والمؤسسات والقطاع الخاص والجهات الداعمة خارجياً وداخلياً، بحيث يتم دفع كلفة التعليم من خلال اقتطاع من الضرائب القائمة (إقتطاع دينار أو دينارين من الضريبة الثابتة المفروضة حاليا على المشتقات النفطية، دون فرض ضرائب حديدة) أو تخصيص الريع الكامل (لدينار الجامعات المفروض أصلاً على المعاملات المختلفة لدعم الجامعات) او وضع ضريبة بسيطة محددة على الجميع ضمن تصور محدد يخصص ريعها لتمويل التعليم الجامعي، وقبل الذهاب للإقتراحات السابقة إذا ابقينا على الرسوم الجامعية للقبول الموحد والغينا الموازي فيجب على الحكومة ومجلس التعليم العالي توحيد وهيكلة الرسوم الجامعية لكل الجامعات الحكومية وذلك بعمل موازنة بين أسعار الساعات يتم فيه رفع طفيف لأسعار الساعات للبرامج القديمة، وتخفيض أسعار الساعات المرتفع للتخصصات الجديدة للوصول لرقم مقبول للجميع، وكذلك توحيد الرواتب والعلاوات بين جامعاتنا الأردنية الحكومية، ومثيلاتها الخاصة؛ ذات الرواتب المتدنية..!
المهم تبني سياسة أن يصبح تمويل التعليم الجامعي تكافلي اجتماعي لكل فعاليات المجتمع العامة والخاصة اضافة للدعم الخارجي من الدول والمؤسسات الدولية، بحيث يتم انشاء محفظة وطنية أو صندوق وطني للتعليم كما أسلفت، يتم رفده بالمال بالطرق التي ذكرتها، وكذلك إستثمار موجوداته، ليصبح صندوق تعليم وطني للأجيال، ويكون قادرا على تمويل التعليم العالي في وطننا.
وهذه المجانية للتعليم العالي يجب ان يتفق عليها من خلال استراتيجية وطنية مخطط لها وواضحة لتشجيع الانخراط في التعليم التقني والمهني وإلغاء التخصصات غير المطلوبة وفتح تخصصات حديثة يطلبها سوق العمل المحلي والإقليمي والعالمي، وضمن ضوابط للمحافظة على التميز للطالب والخريج وجودة التعليم، لاننا نعرف ان فتح التعليم الجامعي للجميع وجعله مجانيا كليا دون ضوابط، قد ينتج طلبة كسالى غير مهتمين! يعوزهم الطموح والمنافسة.
نعم لمجانية التعليم الجامعي ضمن ضوابط تحقق المصالح الوطنية وتساوي الفرص وتقلل العبء على كاهل أولياء الأمور، ونعم لتوجهات وزير التعليم العالي ليس فقط الغاء الموازي بل مجانية أو شبه مجانية التعليم الجامعي، وهذا بحاجة لقرار سياسي على مستوى الوطن، دون اللجوء لحلول ترقيعية ستأخذ سنوات طويلة دون حل مؤثر،
ولا ننسى؛ فيجب عدم المس بحوافز الموازي للعاملين في الجامعات، بل يجب توحيدها بين كل الجامعات، وزيادة الرواتب التي تراوح مكانها منذ أكثر من 15 عاماً، لنقلل من تسرب أساتذة الجامعات للخارج وتفريغ الجامعات من الكفاءات المتميزة.
ويجب ان يعمل الجميع بكل قوتهم لدعم هذا التوجه وتحقيق حلم كل اردني بمجانية التعليم الجامعي، فإذا وجدت الإرادة الصادقة والطموح والإدارة الفاعلة فسيتحقق ذلك وبوقت قياسي… نأمل ذلك… حمى الله الأردن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى