الملف الإخباري- هذا مقال كتبته قبل سنتين بذات التاريخ من عام 2019… وأعيده اليوم بمناسبة إعادة تنصيب لولا دا سيلفا رئيسا جديدا للبرازيل للمرة الثالثة، بترحيب كبير من الشعب البرازيلي والعديد من رؤساء دول العالم، ورغم المعجزة الإقتصادية التي حققها لبلاده في فترتي حكمه من 2003- 2011 إلا أنه قضى 14 شهرا من عامي 2018 و2019 في السجن بتهم زائفة من قوى الفساد والإفساد، حيث حكمت المحكمة العليا ببطلان تلك التهم وإخلاء سبيله واعيد انتخابة للمرة الثالثة.
قبل ايام كنت اشتري بعض الحاجيات البيتية من احد المحلات الصغيرة في اربد، ودار حديث بيني وبين البائع، وبدأ يشكوا بحراره ان السوق (ميت) ولا في بيع ولا شراء…. يقول كنت ابيع بالف دينار واكثر….هذه الايام لا تصل مبيعاتي 30 دينار…. قال انا اعمل اجير في هذا المحل ولدي عائلة وابناء يدرسون ومتطلبات ومهدد باغلاق المحل وفقدان عملي، وكنت اخفف عليه بطريقتنا…( بتهون وربك بيرزق إلى اخره….) إلا انه فاجأني بقوله والله انني افكر جديا بالانتحار! فبادرته يا رجل وحد الله، قال انا مؤمن ولكني انسان ووصلت الضغوط علي حد لا اطيقه واقترض لاسدد متطلبات ابنائي وطعامهم، ونعيش حالة تقشف ولكني مهدد بالسجن… ماذا اعمل؟
اسوق هذه المقدمة لاوضح الوضع الحالي للناس والذي ازداد وجعا منذ سنتين، وهنالك امثلة اسوء لمواطنين لا يعملون.. ويعيشون على الكفاف والجوع والعوز…. ما العمل؟. منذ سنوات لا بل منذ تأسيس المملكة وبلدنا يعاني من الفقر وتدني المستوى الاقتصادي، والاجتماعي، ولم تستطيع الحكومات المتعاقبة فعل شيء، بل ان الحال من سيئ الى اسوأ… ومع وجود خبراء واقتصاديين إلا ان الدولة الاردنية وخبرائها لا يعرفون إلا سياسة زيادة الضرائب والجباية والتضييق على المواطن وصاحب العمل والمستثمر، فاستسهال الحصول على الأموال لمالية الدولة بهذه الطريقة، احدث شللا اقتصاديا وهبط بالسيولة النقدية لدى الناس، واضعف القوة الشرائية، وبدل أن نستقطب المستثمرين تم تهجيرهم، الى تركيا ومصر وإلى سوريا بعد ان يستقر الوضع فيها، وتم إغلاق الآف المصانع والشركات والمحلات التجارية، إلا ان صاحب القرار يغمض عينيه ويدفن رأسه في التراب مثل النعامة، معروف عالميا زيادة الضرائب والجباية قتل للاقتصاد… وانا لست خبيرا في هذا المجال ولكن يتاح لنا ان نقرأ ما يكتبه الخبراء، وقصص النجاح لدول كانت اقتصاداتها تصل حد الإفلاس، لكنها اتبعت سياسات اقتصادية صحيحة فنهضت، والأمثلة كثيرة وقد سقنا المثال التركي سابقا واسوق اليوم النموذج البرازيلي، لعل وعسى ان ييسر الله لبلدنا من يقوده الى الطريق الصحيح وأن لا نبقى نعيش حالة العجز والركود الإقتصادي الذي لا مثيل له هذه الايام، هذا جانب والجانب الآخر دعونا نعترف بالفساد الذي دمر كل شيء والفساد هو مالي واداري ومعروف شعبيا ومعترف به حكومياً، وأن لا نبقى نتسلى بقصص الفساد، والإشاعات التي ترافقها، يجب ان نصل حد الفعل والمحاسبة، في ظل الفساد لن يتم بناء الأوطان وسنبقى نراوح مكاننا، اما المثال البرازيلي والذي قرأت عنه هذا الصباح (قبل سنتين)، ما كتبه احدهم، فهو نموذج قد يصلح لنا، إذا وجد رئيس حكومة صاحب ولاية وبرنامج نهوض حقيقي، يدعمه الشعب والملك:
البرازيل هي أكبر دولة في أمريكا الجنوبية، من حيث مساحتها البالغة حوالي 8,5 مليون كيلو متر مربع، وعدد سكانها حوالي 190 مليون نسمة،
فى الثمانينيات من القرن الماضي دخلت البرازيل في أزمة اقتصادية طاحنة … فذهبت للاقتراض من صندوق النقد الدولى معتقده انه الحل لأزمتها الاقتصادية .. وطبعا طبقت حزمة الشروط المجحفة مما أدى الى تسريح ملايين العمال وخفض أجور باقي العاملين والغاء الدعم وانهار الاقتصاد البرازيلي، ووصل الأمر إلى تدخل دول أخرى في السياسات الداخلية للبرازيل، وفرض البنك الدولي على الدولة أن تضيف إلى دستورها مجموعة من المواد تسببت في اشتعال الأوضاع السياسية الداخلية…ورغم استجابة البرازيل لكل الشروط … تفاقمت الأزمة اكثر واكثر وأصبح 1% فقط من البرازيليين يحصلون على نصف الدخل القومي .. وهبط ملايين المواطنين تحت خط الفقر، الأمر الذي دفع قادة البرازيل إلى الاقتراض من الصندوق مرة أخرى بواقع 5 مليارات دولار، معتقدين انه الطريق للخروج من الأزمة… فتدهورت الامور اكثر واصبحت البرازيل الدولة الاكثر فسادا وطردا للمهاجرين والاكبر فى معدل الجريمة وتعاطي المخدرات والديون فى العالم (الدين العام تضاعف 9 مرات فى 12 سنة) حتى هدد صندوق النقد باعلان افلاس البرازيل لو لم تسدد فوائد القروض ورفض اقراضها اى مبلغ فى نهاية 2002 … وانهارت العملة (الدولار وصل الى 11 الف كروزيرو).. دولة كانت تحتضر بمعنى الكلمة.
حتى جاء عام 2003 … وانتخب البرازيليون رئيسهم (لولا دا سيلفا).. ولد فقيراً وعانى بنفسه من الجوع وظلم الاعتقال (كان يعمل ماسح احذية) … أول ما تقلد الحكم الكل خاف منه.. رجال الأعمال قالوا هذا سوف ياخد اموالنا ويأممنا، والفقراء قالوا هذا سوف يسرق كي يعوض الحرمان .. لكنه لم يفعل ذلك … وإنما؟؟
قال كلمته الشهيرة “التقشف ليس ان افقر الجميع بل هو إن الدولة تستغنى عن كتير من الرفاهيات لدعم الفقراء) ..وقال كلمته الشهيرة ايضا (لم ينجح ابدا صندوق النقد الدولي الا فى تدمير البلدان)، واعتمد على اهل بلده .. وضع بند في الموازنة العامة للدولة اسمه (الإعانات الاجتماعية المباشرة) وقيمته 0.5% من الناتج القومي للدولة.. يصرف بصورة رواتب مالية مباشرة للأسر الفقيرة.. يعنى بدل الدعم العينى بدعم نقدي .. وهذا الدعم كان يدفع ل 11 مليون أسرة تشمل 64 مليون برازيلى… هذا الدعم كان 735 دولارًا (حوالى 13 الف جنية لكل اسرة شهريا) طبعا السؤال من اين والبرازيل مفلسه ؟!!
لانه رفع الضرائب على الكل (ما عدا المدعومين ببرنامج الإعانات).. يعنى رفع الضرائب على رجال الأعمال والفئات الغنية من الشعب … والسؤال هل وافق رجال الأعمال على ذلك ببساطة ؟! تخيل انهم كانوا سعداء لأنه منحهم تسهيلات كبيرة في الاستثمار وآلية تشغيل وتسيير أعمالهم ومنح الاراضي مجانا وتسهيل التراخيص واعطاء قروض بفوائد صغيرة لمساعدتهم فى فتح اسواق جديدة (بالاضافة الى ان الفقراء دخلهم سوف يرتفع وتزيد عملية شراء منتجات رجال الاعمال فتضاعف حجم مبيعاتهم).. بذلك لم يشعروا انها جباية … بل يدفعوا ضرائب مقابل تسهيلات اصبحوا يكسبوا اكتر منها ..
بعد 3 سنوات فقط عاد 2 مليون مهاجر برازيلي وجاء معهم 1.5 مليون أجنبي للاستثمار والحياة في البرازيل … فى 4 سنوات سدد كل مديونية صندوق النقد … بل ان الصندوق اقترض من البرازيل 14 مليار دولار اثناء الازمة العالمية فى 2008 بعد 5 سنين فقط من حكم لولا دا سيلفا .. (هو نفس الصندوق الذي كان يريد أن يشهر افلاس البرازيل فى 2002 ورفض اقراضها لتسدد فوائد القروض)
بفضل تركيز دا سيلفا على 4 امور .. الصناعة … التعدين .. والزراعة وطبعاً التعليم … البرازيل وصلت لسادس أغنى دولة في العالم فى اخر عام لحكمه 2011… واصبحت تصنع الطائرات (اسطول طائرات الامبريار برازيلية الصنع) …
بعد انتهاء ولايتين من حكم لولا فى 2011 … وبعد كل هذة الانجازات الحقيقية … طلب منه الشعب ان يستمر ويعدلوا الدستور… رفض بشده وقال كلمته الشهيرة “البرازيل ستنجنب مليون لولا.. ولكنها تملك دستورا واحدا ” وترك الحكم …
للعلم البرازيل دشنت اول غواصة نووية منذ فترة… (فقط 5 دول فى العالم تصنع غواصات نووية امريكا – روسيا – الصين – بريطانيا – فرنسا) … اول غواصة كانت بالتعاون مع فرنسا .. ولكنها ستدشن الغواصة الثانية فى 2020 والثالثة فى 2022 بصناعة برازيلية خالصة …
النهوض من التخلف ليس مستحيلاً .. انها إرادة وإدارة … وفى سنوات معدوده فقط، والطريقة معروفة ومحددة، الصناعة، والزراعة، والاهتمام بالفئات الفقيرة، والتعليم، وتجفيف الفساد… لاشئ آخر ….
وهذا ما عملته المانيا واليابان فى الستينات
هذا ما عملته دول شرق اسيا فى الثمانينات مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية،وهذا ما عملته الهند فى التسعينات هذا ما عملته تركيا والبرازيل فى 2003
وهذا ما تعمله اثيوبيا ورواندا منذ 2015.
اذاً هي الإرادة والإدارة… كفيلتان بصنع المستحيل، والتغيير ونقل الأردن الذي يمتلك موارد بشرية متعلمة ومدربة هائلة، تحتاج فقط للتفعيل، وتغيير النهج، لسنا بصدد التباكي على ما قد فات، ولا بجلد الذات، ولا القضاء على ما تم انجازه، وتبادل التهامات، الامور بحاجة لفعل وهذا المثال البرازيلي وغيره كفيلة بوضعنا على المسار الصحيح، ندعو الله أن نحقق لبلدنا التطور والنماء، وأن لا نبقى ندور في حلقة مفرغة ونجتر الفشل والإتهامات والتباكي دون فعل يذكر… فهذه وصفة ستوصلنا لهلاك البلاد والعباد… حمى الله الاردن.
زر الذهاب إلى الأعلى