بقلم : الدكتورة الصيدلانية طيب محمد فاروسي:
مازلنا نعاني من جائحة الكورونا وآثارها الصحية السيّئة وما خلّفته من تداعيات خطيرة على الصحة والاقتصاد والمجتمع في جميع أنحاء العالم، ومازلنا نحاول بواسطة نخبة من العلماء والاطباء والعاملين والفنيين في أكبر المختبرات والمعامل العلمية العالمية الكبرى ايجاد أدوية وعلاجات مساعدة في علاج الاعراض التي يسببها فيروس كورونا والتي قد تكون خطيرة ومميتة في بعض الاحيان خاصة بعد سلسلة التحورات والتغيرات ( الطفرات ) التي حصلت لفيروس ووهان كوفيد 19، ومازالت حملات التطعيم باللقاحات مستمرة والتي بذل كبار العلماء في الشركات الكبرى مجهودا جبّارا في التوصّل لتصنيعها بأقصى سرعة ممكنة بسبب وباء قاتل سريع الانتشار، وكل ذلك يجري على قدم وساق من أجل ان تعود الحياة إلى سابق عهدها بأقرب وقت ممكن حتى مع ظهورهذه السلالات الجديدة من الفيروس، ولكن على مايبدو أن هناك مؤسسات اعلامية مختصة ومأجورة لا تستسيغ هذا الأمر لمصالح معينة خفية فتقوم بنشر معلومات كاذبة ومضللة في منشورات تعزف على وتر عواطف الناس وخوفهم وقلقهم لتثير الرعب فيما بينهم بخصوص لقاحات الكورونا بالذات.
منذ حوالي اسبوع وصلني أنا وغيري من الاصدقاء والصديقات منشوريْن اثنين، أحدهما وصلني أنا شخصياً منذ أكثر من سنة ومن عدة مصادر لانني كنت ولازلت مقيمة في ايطاليا والمنشور ( الكاذب طبعا) يتحدث في بدايته ” أصبحت ايطاليا أول دولة في العالم تقوم بتشريح جثة بعد وفاة مصاب بكوفيد 19 وبعد إجراء تحقيق شامل توصلوا الى ان الكوفيد ليس فيروس بل بكتريا تعرضت للاشعاع وبالتالي سببت الموت بخثرات دموية…. إلى آخر المنشور السخيف ” ومنذ أيام وصلني ( لي ولآخرين ) نفس المنشور حرفياً دون تغيير أي كلمة منه إلا كلمة واحدة فقط وهي استبدال كلمة ايطاليا بكلمة روسيا !!!!!
أمّا المنشور الآخر فهو مركّب بشكل يحاول مؤلّفوه بغباء ( وهم يظنون أنهم أذكياء ) اقناع الناس بصحّته، وبدايته تقول بما معناه ” المحكمة العليا في امريكا تلغي التطعيم الشامل منذ 3 أسابيع بناء على دعوى قضائية قام بها المحامي روبرت إف كنيدي جونيور يحذر فيها من التطعيم القادم ضد فيروس كورونا كوفيد 19…إلى آخر هذا المنشور المغرض والكاذب).
أولاً قمة المهزلة أن يقال أنّ امريكا أوقفت حملات التطعيم لشعبها لأنها مازالت مستمرة في ذلك وأي شخص يمكن أن يتأكد من ذلك سواء من الأخبار الامريكية أو من معارف له هناك ( كما تأكدت أنا من أصدقاء اطباء وصيادلة مقيمين في امريكا )، ثانيا لم يصدر أي قرار من المحمة العليا بايقاف التطعيم والجميع في امريكا يعرف ان هذا المحامي من معارضي اللقاحات بالأساس وهو لا يفهم بالطب لكي يتدخّل بتركيب لقاح ال mRNA ويقول كلام قديم ممجوج سمعناه كثيرا منذ بدء التطعيم بأن هذه التركيبة تلعب بجينات وDNA خلايا البشر ( وهذا غير صحيح طبعا فهذه التركيبة والتي تعتمد على جزء وراثي جيني محدد من الفيروس هو mRNA المرسال قديمة ومستخدمة منذ عشرات السنين في العلاجات الدوائية والابحاث السرطانية ولا تدخل نواة الخلايا أبداً بل تدخل فقط في السيتوبلازم المحيط بالنوى لتقوم بعملها وهو استثارة الجهاز المناعي لتكوين استجابة مناعية وأجسام مضادة وذاكرة تخزًن معلومات مسبقة في الخلايا التائية والبائية ضد الفيروس في حال دخل مرة أخرى الى الجسم ومن ثم تتخرب وتموت بعد انتهاء مهمتها )، هذا الشخص كينيدي بدعو الناس لرفض التلقيح مثله مثل معظم من ينتمي للحزب الجمهوري وعلى رأسهم ترامب الذي كان من أشد معارضي اللقاحات رغم أنه شخصيا أي ترامب أخذ اللقاح منذ أشهر، ثالثا هذا المنشور قديم جداً وقبل بدء حملات التطعيم في العالم ( المنشور يقول بالحرف الواحد ” التطعيم القادم ضد الكوفيد 19 ” ) اذن هو كُتب منذ عدة أشهر، وربمّا لأن الناس لم تهتم فيه وقتها ولم تتداوله كما يجب لذلك يُعاد نشره الآن لأهداف مغرضة تهدف لتشويش الناس وجعلهم ينقسمون إلى فريقين ضد بعضهما البعض ( مابين مؤيد للقاح ومابين معارض له ومؤيد لنظرية المؤامرة ) حيث يصف كل فريق الآخر بأنه مخطئ أو لا يفهم أو له مآرب أخرى في إظهار وجهة نظره.
شخص يدعى فيرنون كولمان يتم الآن تداول منشور له بصفته طبيب وهو مجرد ( مع كامل احترامنا له ) كاتب انكليزي وblogger ومعارض للقاحات عامة ولاستخدام الحيوانات في التجارب المخبرية، كولمان يقول أنّنا سنموت نحن من أخذ أو من سياخذ اللقاح في الخريف المقبل ( لماذا الخريف تحديداً وليس الصيف أو الشتاء )!!!! هل عنده علم الساعة أو السر الالهي ؟ وهل هو جزء من منظومة أكاديمبة علمية تصم كبار العلماء والأطباء والبروفسورز في مجال اللقاحات وعلم المناعة والفيروسات ليصدر فتاوى في هذا المضمار العلمي البحت ؟
أنا ونحن جميعا علينا أن نكون مع العلم وما يقوله العلم وما أثبتته الدراسات العلمية فقط لا غير، ومن واجبي كوني أقسمت قسم أبقراط عندما تخرّجت من الجامعة ان أكذّب وأنفي كل ما يصلني او أسمعه من أكاذيب واشاعات تخص العلم والدواء والصحة والتغذية…. السياسة ليس لها دين ولا وطن وتركناها لأربابها، والدين ( بكافة مذاهبه وأطيافه وطوائفه ) له الله سبحانه وتعالى ورسله عليهم السلام، ولذلك اتركوا العلم والطب والصحة لأربابها أيضاً والرجاء عدم الفتوى فيهم الا بالمعلومات الصحيحة والموثوق فيها ومن مصادرها الأصلية وهي متوفرة من خلال دراسات وأبحاث المؤسسات العلمية والمراكز الطبية والجامعات العالمية الكبرى …
ليتكلم من يشاء وما يشاء ولكن كفى تداول هكذا منشورات مرعبة ومدمرة للأعصاب وللحالة النفسية لنا جميعاً…
زر الذهاب إلى الأعلى