الملف الإخباري- بداية لست خبيرا في الإقتصاد، ولكني متابع أقرأ وأسمع ما يقال، وفي ذات الوقت مواطن عادي أبن قرية عجلونية وأسكن في مدينة أربد وعمان، أرى وأشعر والاحظ أحوال الناس، وفي بلدي الشعب كله يتحدث بالسياسة والإقتصاد لأن الأوضاع صنعت منا ذلك، ولسان حال العامة يقول( بلكي الحكومة تسمع منا).
مساء الأمس تابعت مناظرة بين اثنين من الإقتصاديين الخبراء؛ وزيرين سابقين، من مدرستين متقاربتين اقتصادياً، أمريكية وبيريطانية، وتحدثوا بلغة الأرقام والميزانيات والمقارنات والمقاربات، والنمو الإقتصادي والإحتياطيات والدين العام والتضخم والأداء الإقتصادي للحكومات العابرة والغابرة..! أحدهما يقول الوضع جيد وقابل للعيش، والآخر يقول الوضع سيء ويحذر من انهيار اقتصادي قادم لا محالة بالمقاربة مع وضع لبنان، وذكرني حديث الخبراء بحديث لأستاذي الأجنبي في الإحصاء أيام الدراسة الجامعية، حيث كتب لنا على السبورة بالإنجليزية في أول محاضرة (!… Statistics is the art of lying)، وشرح لنا ذلك؛ تخيلوا أن رجلا يقف على باب مبرد( فريزر) نصفه في الداخل ونصفه بالخارج، فمن وجهة نظر الإحصاء نقول أن وضعه معتدل بنسبة 50% ولكنه في الحقيقة يموت… !، وبإسقاط ذلك على ما سمعنا في المناظرة وما نسمع ونقرأ، نجد أن الأمور ليست بخير.
الإقتصاديون والسياسيون يستندون إلى لغة الأرقام( قد تكون صحيحة أو مظللة أو عكس الواقع)، المواطنون وعامة الشعب يقرأون المشهد من زاوية أخرى تخص معيشتهم اليومية، هل هنالك عمل؟… هل الدخل يكفي العائلة ومتطلباتها..؟ هل نحن في حالة فقر وعوز..؟ هل الضرائب تتناسب مع الدخول..؟ هل أسعار فواتير الكهرباء والماء والطاقة تتناسب مع الدخول..؟ كيف نسدد القروض، (كيف بدنا نمشي هالشهر… ) والنتيجة( ملحوقين والراتب منحوس ومخفوس ما بوصلنا لخمسه الشهر، والباقي على الله، والبعض ممن يعملون بالمياومة وضعهم أسوء)، ويؤكد هذا التقارير الحكومية والدولية التي وصلت فيها نسب الفقر أرقام صادمة، ونسب البطالة نسب صادمة أكثر…، من هنا وبكل بساطة يحكم المواطن العادي على نجاح الحكومات بما ذكرت، فهو ليس معني كثيراً بتصريحات أصحاب الياقات البيضاء وتنظيرهم… !، لديه أي المواطن تقرير يومي عندما يهجع لنومه محمل بالشكوى والتذمر من الفاقة والعوز وإحساسه بالعجز والذنب لأنه لا يستطيع تدبير حاجة عائلته من طعام ولباس ودواء وتدفئة، وأما الكماليات والرحلات والتنزه فلا تعنيه.
خلاصة المناظرة التي ذكرتها، أن إقتصادنا بحاجة لتفعيل الإستثمار، وأنه الحل الأمثل لحل مشاكل البطالة والإقتصاد، صحيح أن الإصلاح السياسي مطلوب ويقود لإصلاح إقتصادي، ولكن حديث الإصلاح السياسي وعلى لسان رئيس حكومة سابق مكرر ومجتر وليس له فعل أو نهاية، ومن هنا أعتقد أن الشغل والإصلاح يجب أن يركز على الجوانب الإقتصادية، وحل معضلة الإستثمار، وأبجدياتها؛ نوايا سياسية حكومية فعلية، قوانين وتشريعات ثابتة، جهة واحدة تدير الإستثمار بكل متطلباته ومعاملاته وقضاياه تخلو من البيروقراطية المقيتة المعطلة، تخفيض أسعار الطاقة؛ إذ لا يلتقي الإستثمار مع بيئة إستثمارية طاردة تُضخم الكلف وتحد من المنافسة، سياسات ضريبية محفزة لا جابية، وأخيرا كف يد الفساد أيا كان مصدره عن الإستثمار، وحبذا لو تم عمل خط ساخن للمستثمرين لحل جميع مشاكلهم بسرعة وكفاءة، بحيث لا ينتظر المستثمر شهر أو أكثر ليقابل الوزير أو أي مسؤول لحل مشاكل تواجهه، وبحيث نخرج المزاجية والشخصنة المعطلة للإستثمار سواء من وزير أو موظف صغير… !
نجاح الإستثمار وحل عقدتنا الإقتصادية ممكن، إذا خطونا خطوات صحيحة، وستنعكس النتائج على الجميع، وسيشعر المواطن العادي بتحسن الأوضاع، ولنا في تجارب دول انتقلت من الفقر إلى الغنى بأقل من إمكاناتنا، لدينا موارد بشرية متميزة، لدينا موارد مادية ويمكن إستيراد ما يلزم، لدينا عناصر النجاح، لكنها ما زالت كامنة في الظل، لم تستطيع أي حكومة لتاريخه استخلاصها ووضعها في المكان الصحيح، كلنا نعرف أدوات النجاح… ولكن عند التطبيق( دور على فطيمة بسوق الغزالات أو الغزل).
حلول الترقيع الإقتصادي لن تصنع النجاح، نحن بحاجة لخطة إقتصادية شاملة يصنعها خبراء لا وزراء..! وبرامج تنفيذية حقيقية، فقد شبعنا تنظير ووزير رايح ووزير جاي وفي النهاية (مكانك سر… لا بل إلى الخلف دور)…الجباية لها حدود وهي سياسة من لا سياسة له..! بلدنا يستحق الأفضل… حمى الله الأردن.
زر الذهاب إلى الأعلى