الملف الإخباري- شارك الباحث والفنان التشكيلي الأردني د. مطلق ملحم في المؤتمر العلمي المحكم الدولي الخامس بعنوان “التراث والآثار في الوطن العربي” الذي يأتي اقامته بمناسبة مئوية الدولة الأردنية وادرج مدينة السلط على قائمة التراث العالمي اليونسكو ونظمه كلا من جمعية أصدقاء البرلمان الأردني بالشراكة مع الاتحاد “العالمي” للأكاديميين ورواد العلم العربي لندن، وبالتعاون مع جامعة عمان الأهلية وشركاء المؤتمر، والمنعقد في جامعة عمان الأهلية، الأردن السلط يوم 16/10/2021م.
وكان المؤتمر برعاية معالي وزير السياحة والآثار الأردني أ. نايف الفايز الأكرم، وقد اناب عنه مير دائرة الآثار العامة بالوكالة الاستاذ هشام العبادي، وبحضور كلاً من: رئيس بلدية السلط السابق المهندس خالد الخشمان، الدكتور فاير الربيع نائب رئيس مجلس أمناء الجامعة الهاشمية والقى كلمة الاكاديميين والعلماء العرب، وكذلك أمين عام المؤتمر الدكتور ابراهيم الكلوب، واشتمل المؤتمر على خمسة جلسات شارك فيها مختصون من الأردن وعدد من الدول العربية .
إذ قدم الباحث مطلق ملحم بحثه الموسوم (دور الموروث الشعبي الشفاهي في المجتمع الأردني)، واسرد بقوله: يعتبر الموروث الشعبي الشفاهي في المجتمع الأردني جزءاً من ذاكرة التاريخ والمجتمع، وهي تنبض بمعانيها بثقافة المجتمع وبيئته ولغته ولهجاته المتعددة وعواطفه الجياشة وعاداته الأصيلة وعقيدته الراسخة، وهي من بقايا تراثنا الفكري الذي نسعى لحفظه خوفا من الزوال، لأن الإهمال وعدم المبالات بتراثنا العربي عامة والاردني خاصة سيقودان الى التلاشي.
الأمثال الشعبية الأردنية قد تخترق حاجزي الزمان والمكان، وقد يكون لها القدرة للوصول إلى قلوب الناس وفكرهم بسرعة بسبب قصر الجملة ومعناها، وسهولة لفظها، ويظهر المثل الشعبي بتنظيم عفوي تفرزه الوقائع والأحداث في وقتها والذي يتطلب براعة نادرة، وسرعة البديهة لإحداث تأثير فعال في المستمع، يكون حكمة يأخذ بها، حيث يصاغ المثل بمناسبة أو حدث ما، والأمثال هي بالحقيقة من القنوات المهمة في تراثنا العربي الأصيل ونتاج أمة واكبت الكثير من تقلبات الزمن وتعدد فيه الإبداع بكل المجالات، إنها واقع فكري يجرد الواقع إلى شيء ظاهر المضمون من خلال مقولة مختصرة، وهي من أفضل الوسائل التعبيرية عن حياة الإنسان وامنياته، وعاداته، وتقاليده، وأفعاله … وغيرها، بجمل مختصرة جداً، تصل إلى المتلقي بفهم وتحليل سريع مهما كانت ثقافته وواقعه الاجتماعي، كونها جزء من التراث الشعبي، ومرجع يومي للتعبير والتنفيس لكثير من الأمور، وهي بمثابة حكم ومأثورات فلسفية تلفظ بكل بساطة من أفواه الناس البسطاء خاصة، وتناقلها الأجيال جيل بعد جيل، وتتسم معظمها بطابع الحكمة والتهذيب والترشيد، وهذا هو سر استمرارها عبر الأجيال، فهي ليست مجرد كلمات تنطق أو بدع أو هراء صادرة من عقل وقلب إنسان بسيط، فهي خلاصة لتجارب إنسانية لماضي مجيد، وإننا لسنا الوحيدون من يمتلك الأمثال فأكثر شعوب العالم لها أمثالها وحكمها، وأغلبيتها تنطق باللهجة المحلية لكل مجتمع، وقد تكون متميزة في سلاستها وعمق معانيها وصدق قولها.
وأضاف مطلق ملحم: يأتي هذا البحث الموسوم “دور الموروث الشعبي الشفاهي في المجتمع الاردني” لتأثيره في مناطق بلاد الشام المتمسك بهويته وأصوله العربية، وتقاليده التي يفتخر بها أمام المجتمعات الأخرى في العالم، وتُراثنا الاردني والعربي الذي نعتز به رغم فطور الانتباه عبر وسائل الإعلام خلال هذه الفترة بما يخص إرثنا الكبير…إنها خلاصة أمثالنا الأردنية الأصيلة والتي قد تصبح حكم أحياناً، لقد نشأ الإنسان الأردني منذ أمدٍ بعيد وسط طبيعة قاسية وظروف معيشية صعبة، ولكن روح الأخوة والمحبة والتعاطف فيما بينهم ولد لديهم إحساسا بطيبة أخلاقهم، وتماسك عاداتهم، والتزاور فيما بينهم، والتي تأثرت قليلاً بتغير الظروف ولكنها باقية وراسخة في فكرهم وعاداتهم وتقاليدهم، فالأمثال والحكم كانت ولا زالت تشكل رابطاً اجتماعياً يتحرك البعض في اطارها ومن الصعوبة بمكان تجاوزها أو تناسيها، وإلا أصبح إنساناً بعيداً عن إطار المجتمع، ويعرض نفسه للتأنيب والمعاتبة.
وأضاف ملحم أيضاً: إن الامثال هي ذاكرة اجتماعية بتراكم الحقب واختلاف الأزمان، فهناك أمثال من قبل الإسلام مروراً بالأمويين والعباسيين والمغول والأتراك، ومن جغرافيات مختلفة، وكل من هذه الأزمان والجغرافيات تركت ظلالها على النص دون الدخول في خصائص المثل ومفهومه وألوانه وموضوعاته وبلاغاته وبناءاته ووظائفه. وأضاف أن المثل هو نص، وحقل أدبي ينتمي للفنون الشعبية، وهو من أقدم الأشكال الأدبية، وأكثرها انتشاراً وارتباطاً باليومي، وفوق ذلك الأكثر تأثيراً وفاعلية، وهو يندرج في إطار الخطاب الذي يقوم على التواضع الاجتماعي بما تحمل من اتفاقات وغيرها. لافتاُ النظر إلى أن الفرق بين النص والخطاب أن الأخير صفته التداولية، وهنا تكمن أهمية المثل في تغلغله بالكلام اليومي، وارتباطه بحياة الإنسان منذ ولادته وحتى مماته، وقد يدخل المثل في كثير من مناحي الحياة كالبيع والشراء، والزواج والطلاق، والجمال والقبح، والكره والمحبة.
والمح الى أسباب انتشار الأمثال الشفاهية بما يلي: (الصفة الجمالية، الإيجاز بالمثل، الواقعية، صورة المجتمع، الأبعاد الدلالية للأمثال ومنها البعد الثقافي، البعد الاجتماعي، البعد النفسي)، وقد ذكر العديد من الأمثال وأسبابها وقصصها المشيقة والهادفة. وعلينا أن لا ننسى أهمية التراث ذلك الموروث الفكري والثقافي الذي ورثه الجيل المعاصر عن الأجيال الماضية التي تنتسب إلى ثقافته القومية، وإن من حق الشباب أن يتعرف على إنجازات أمته وماضيها الفكري، مثلما من واجبه أن يتعرف على فكرها المعاصر الذي يقلب أمام أذهان الشباب التجارب العالمية والفكر العالمي الذي يتناول الإنسان واقعاً ومستقبلاً، وعلى هذا الأساس فإن واجب الكبار أن يساعدوا الشباب على إتقان التعامل مع معطيات التراث وفحواه، في بناء موقفه تجاه القضايا المعاصرة، وفي تكوين نظرته نحو مستقبله ومستقبل مجتمعه ودوره في الوصول إلى مستقبل منشود، وأن لا يشكل كذلك تشبثاً متصلباً لأن الشباب قوة فاعلة اجتماعياً في وضع ثقافي خاص.
زر الذهاب إلى الأعلى