التوجه الفكري هو عبارة عن القناعات الداخلية التي تؤثر بشكل مباشر على سلوك الفرد تجاه الأفراد والجماعات، وهو الدافع الداخلي الذي تتبلور من خلاله فكرة الانقياد والتبعية العمياء لذلك التوجه.
قبل الشروع في الحديث حول أثر التوجه الفكري على إدارة العمل، لا بدّ من الاتفاق على أن الأصل في رقي أي عمل وتقدمه هو وجود تعليمات وأنظمة عامة للعمل، حيث يلتزم الجميع بالأطر العامة ولا يتمكن أحد من تجاوزها. وهذا هو السائد في المجتمع الغربي، لذا لم يكن هناك أي تأثير للتوجه الفكري لدى الأفراد على العمل العام، سواء في المؤسسات الحكومية أو الخاصة، حيث يحتكم الجميع للقانون العام للعمل. وقد نتج عن ذلك الحياد عن المصالح الشخصية والانخراط في العمل العام، مما أدى إلى تحقيق العدالة، التي أفرزت شعورًا بالرضا، ودفعًا نحو التقدم والازدهار.
أما في المؤسسات الحكومية في الدول العربية، فمن الواضح أن هناك خطرًا كبيرًا في إخضاع العمل ومؤسسات الدولة للتوجه الفكري للمسؤول، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها أو تجاهلها. ففي الغالب، يقوم المسؤولون بترقية وإبراز من هم على شاكلتهم، ويندرجون تحت توجههم الفكري، لتشكيل مجموعة شخصية تخدم مصالحهم الخاصة، بدلاً من تشكيل فريق عمل يلتزم بالتعليمات المنظمة للمؤسسة.
التوجه الفكري قد يكون عَقَديًا أو حزبيًا أو غير أخلاقي، وهذا النهج هو ما اعتمدت عليه المؤسسات ذات الطابع الدكتاتوري، حيث تقرّب وترفع كل من يتوافق مع فكرها، بعيدًا عن الهدف الأسمى، وهو تطبيق الأنظمة العامة للعمل. وعليه، فإنها تقوم بإقصاء كل من لا يتوافق مع فكرها الشخصي، مما أدى إلى ظهور ظاهرة “الشِّللية” في المؤسسات الحكومية. ومع مرور الوقت، باتت بعض المؤسسات مرتبطة بأسماء أشخاص معينين، هم من يرسمون سير العمل، وأتباعهم ينفذون دون النظر إلى مدى قانونية هذه الأعمال. وكل من لا يتفق مع هذه المنظومة يتم إقصاؤه وإبعاده وتشويه سمعته.
لذا، لا يمكن لأي مؤسسة تعمل وفق الأنظمة والقوانين أن تظهر فيها هذه الظاهرة غير الصحية، لأنها لن تخضع لأفكار الأفراد، وإنما سيكون القانون هو الفيصل بين الجميع. أحببت أن أنوّه إلى هذه الظاهرة، لأن البعض قد نسي أنه موظف دولة يخضع للأنظمة والقوانين.
زر الذهاب إلى الأعلى