الملف الإخباري- أطلقت جمعية “أرض العز” للثقافة والتراث مبادرة (خالدون في ذاكرة الأردن) والتي يجري من خلالها تسليط الضوء على شخصيات أردنية عريقة لها بصمات مهمة في التاريخ والتراث والثقافة الوطنية، وذلك بهدف ربط الماضي بالحاضر والمُستقبل، وإطلاع الأجيال الأردنية بشكل خاص، والعربية والإسلامية والعالم، وخاصة جيلي الشباب والأطفال على صفحات مُشرقة في تاريخ الدولة الأردنية التي بدأت مئويتها الثانية هذا العام.
وذكرت رئيسة الجمعية آمنة الملكاوي أنه سيتم تخصيص جانبٍ من خِطط وبرامج الجمعية لتعميق (الذاكرة الثقافية) الأردنية برجالات لم يتم الإشارة لبطولاتهم ثقافياً وإعلامياً ومحلياً بشكلٍ كافٍ، حتى نؤكد بأن (الذاكرة الأردنية) غنية بالبطولات والأبطال والإنجازات والإبداعت والابتكارات المميزة التي يجب أن يتضمّنها تاريخ الأردن المُعاصر.
وأكدت في تصريح صحفي بأنه تم اختيار القائد العسكري الشجاع المعروف ببطل (تلّة الرادار) في فلسطين ليكون باكورة هذه المبادرة، وهو العقيد الركن المرحوم سلامة عتيّق الشمري الذي جاء من السعودية إلى الأردن ليخدم في الجيش العربي (القوات المسلحة الأردنية) وليدافع عن أرض فلسطين وعن المسجد الأقصى.
*(سلامة عتيّق يطلب إهداءه الواجب المقدس لاستعادة التلّة)*
وقالت آمنة الملكاوي بأن البطل سلامة عتيّق (1923 – 1965) قاد بتاريخ 25/5/1948 سرية المشاة الرابعة من (كتيبة المشاة الأولى في الجيش العربي) في مهمّة بطولية تكاد تكون مستحيلة، وذلك لاستعادة (تلة الرادار) التي كانت تعتبر مفتاحا لقطاع القدس، وكان وجود العدو فيها يشكل خطرا دائما على رام الله وعلى الطريق الرئيسية الممتدة بينها وبين القدس. ومن هنا كانت أولوية قيادة الجيش العربي الأردني حينذاك العمل على استعادة هذه التلّة مُبكرا. وعند العصر يوم 25 أيار 1948 (وهو يوم استقلال المملكة الأردنية الهاشمية)، جمع قائد الكتيبة الأردنية قادة السرايا وأبلغهم بصدور الأوامر لمهاجمة موقع الرادار على التلّة، وعندئذ تطوّع الملازم سلامة عتيق الشمّرى للقيام بالعملية قائلا: إنه يطلب من قائد الكتيبة أن يهدي إليه هذا الواجب المقدس مع رفاقه في السرّية، وفق ما ذكر المؤرخ الأردني سليمان الموسى في كتابه (أيام لا تُنسى)، وأكده أيضاً الفريق الرُكن المتقاعد موسى العدوان.
كان العدو يحتل موقع تلّة الرادار بقوة سرية تقريبا، وفي موقع صعبٍ وشديد الانحدار ومحصنا بالأسلاك الشائكة، بسبب زراعتها بالألغام ضد المصفحات، كما زُرعت الألغام ضد الأفراد أيضا أمام الموقع، وأقيمت في الموقع التحصينات والحواجز الإسمنتية.
وهنا وضع البطل المرحوم سلامة عتيّق الشمري خطة استعادة موقع تلّة الرادار من العدو، حيث بدأت السرية الرابعة عملية الهجوم على موقع الرادار الساعة 03:45 فجر يوم 26 أيار 1948، بعد أن قامت المدفعية والهاونات الأردنية بالقصف التمهيدي لمدة 9 دقائق، يساندها 4 مدرعات تغطي زحف المشاة.
وصل أول جندي أردني إلى حاجز الأسلاك الشائكة حول الرادار وقام بعملية قص الأسلاك، ولكن لم تلبث أن أصابته رصاصة معادية فسقط شهيدا على الأرض. ثم استحكم العريف عودة النهري إلى جانب جثة رفيقه، وألهب خنادق العدو المقابلة بنار رشاشه، بينما تقدم آخرون لمواصلة قص الأسلاك الشائكة لفتح ثغرات فيها، تحت إطلاق نار كثيف مع انفجارات للقنابل اليدوية، بمواجهة مقاومة عنيفة. وقد توقفت إحدى الفئات المهاجمة قليلا أمام شدة المقاومة. وهنا تقدم قائد السرية (المرحوم البطل سلامة عتيق الشمّري) ليستطلع الموقف، فأصابته شظية كسرت ساقه وتضررت بعض أجزاء جسده.
وعندها استبسل جنود السرية الرابعة في جرأة نادرة، مقتدين ببسالة وإقدام قائدهم (سلامة عتيق الشمري)، الذي كان في طليعة جنوده خلال الاقتحام. وعندما أصيب في ساقه أراد جنوده أن يحملوه ويعيدوه إلى الوراء لتلقي الإسعافات الطبية، ولكنه رفض أن يغادر المكان الذي سقط فيه، إلا بعد أن يتم احتلال موقع تلّة الرادار من العدو.
وفي الساعة 04:30 فجراً اندفع أفراد من السرية الأردنية إلى داخل موقع العدو، واشتبكوا مع جنوده في قتال عنيف بالسلاح الأبيض. حتى اضطر الجنود الأعداء للفرار من الموقع. وكان قائد السرية قد زحف إلى الأمام على يديه ورجله السليمة ويجر ساقه المكسورة، إلى أن وصل إلى قلب الموقع، وأطلق شارة التنوير بنفسه إشعارا للجيش العربي الأردني باستعادة موقع تلّة الرادار. كما رفض أيضاً أن يحمله رفاقه لتلقي الإسعافات، إلا بعد أن يتم إخلاء جميع الجرحى من أفراد سريته.
كانت نتيجة المعركة البطولية استعادة (تلة الرادار) من العدو، تحت صيحات (الله أكبر)، بعد تكبيد العدو (13) جنديا قتيلاً عدا عشرات الجرحى، فيما استشهد من السرية الأردنية (5) جنود و (16) جريحا، من بينهم قائد السرية سلامه عتيق الشمّرى ومساعده الوكيل سليمان جراد.
وأكدت رئيسة جمعية أرض العز للثقافة والتراث آمنة الملكاوي بأن هذه هي (المهمّة المستحلية Mission Impossible) بالنسخة (الأردنية – السعودية) التي تستحق أن يتم تخليدها في الذاكرة الأردنية والفلسطينية والتي تؤكد أن هذا البطل السعودي الشهم والباسل، الذي جاء للأردن ليخدم في صفوف الجيش العربي وليحارب على أرض فلسطين دفاعاً عنها وعن القدس والمسجد الأقصى وعن كنيسية القيامة، وعن معراج الرسول صلّ الله عليه وسلم، وعن ثالث الحرمين الشريفين، وعن مسجد عمر بن الخطاب، وعن كافة الأراضي المقدسة والطاهرة في فلسطين والقدس.
واختتمت الملكاوي حديثها بالقول: بأن الجمعية قد خلّدت هذه البطولة وهذا البطل في فيلم قصير، ولكن يا حبذا لو يتم تخليد هذه البطولة والمهمة المستحيلة في فيلم مترجم إلى كثير من اللغات العالمية حتى تعرف الأجيال الأردنية والعربية والإسلامية والعالم بأن بطولات الجيش العربي صُنعت بفخر في مصانع الجندية الأردنية على أرض فلسطين وعلى جنبات وأسوار والقدس وساحات المسجد الأقصى وكنيسة القيامة ببطولات حقيقية بالأرواح والدماء والأجساد، قبل أن تولد أفلام الأكشن الهوليوودية.