مقالات

حياتنا هي علاقاتنا وعلاقاتنا هي حياتنا” فكيف نعمق علاقاتنا؟

الملف الاخباري : إذا كان السمك لا يعيش إلا بالماء وكانت الطيور لا تحلّق إلا بالهواء فإن الناس لا يهنؤون في هذه الحياة إلا من خلال العلاقات، فحياتنا هي علاقاتنا وعلاقاتنا هي حياتنا، فالعلاقات ما هي إلا مجرد “ذكريات” وهي المواقف التي أحملها تجاه شخص معين تجعلني أتذكره، مثلاً عندما يلفظ كلمة (أمي) فيا ترى ما الذي يحرك مشاعري تجاه هذه الحروف الثلاثة؟ ما هي إلا تلك الذكريات الجميلة.

يقول المثل الشعبي “جنّة ما فيها ناس ما تنداس” وخيرٌ من هذا الكلام ما رواه ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما أن آدم عليه السّلام عندما كان بالجنّة استوحش، فلما نام خلق الله من ضلعه حواء لتؤنسه، فنحن على هذه الأرض لا نستطيع أن نعيش ونتعايش إلا بالناس ومع الناس، وحديثنا اليوم عن هذه العلاقات ما أنواعها، ما مميزاتها، كيف تنشأ وكيف تعالج.

فالعلاقات أنواع وأيّاً كان نوع هذه العلاقة لكلّ نوع حقوق وواجبات وسلوكيات وردّات فعل مناسبة لها، والنوع الأول من هذه العلاقات يسمى بــ “العلاقة المؤقتة والعلاقة الدائمة”، فالعلاقة المؤقتة هي علاقة نشأت مع شخص ما بمكان ما بالصدفة دون تخطيط، قد تكون مع شخص جلس بجانبك في مطار، في بنك، في جامعة، هذه العلاقة التي تجريها هي علاقة مؤقتة بمعنى لا يجوز أن أراك بعد هذا الموقف وأربط طلبات بناءً على هذه العلاقة المؤقتة، فمثلاً لا أستطيع أن أراك لاحقاً وأقول لك أنا صديقك الذي تعرفت عليك ذاك اليوم عندما جلست بجانبك في المطار، وأريد منك مبلغ دين خمسمائة دينار، قطعاً لن تكون مستساغة، فالعلاقة المؤقتة تموت في مكانها، وبالمقابل هنالك علاقات دائمة وهي العلاقات التي لا تنفصل مهما كانت مشاعري تجاهك، خالي يبقى خالي حتّى وأنا لم أكلمه، عمي يبقى عمي حتّى لو لم أحبه، حتّى الزوجة علاقة دائمة، وقد يحصل طلاق ولكن تظل طليقتك وأمّاً لأولادك في حال كان هنالك أطفال، وفي حال لا يوجد أطفال كيف ستكون العلاقة دائمة؟ ستكون أنت مَحرَمُ لأمها مدى الحياة، معرفتنا للفرق بين العلاقة المؤقتة والعلاقة الدائمة يجعلك تعطي كل علاقة حقوقها بمعنى أنّني لا يمكن أن أقدم ولا يجب أن أقدم العلاقة المؤقتة على الدائمة، فمثلاً زوجتي تتصل بي، وهنالك شخص آخر التقيت به بعد الصلاة أتكلم معه وهو من ضمن العلاقات المؤقتة ولم أجب على الهاتف وأحرجت فأخرت هذا من أجل هذا، هنا خلل في موازنة العلاقات، العلاقة الدائمة لها أولوية على العلاقات المؤقتة، فالعلاقة المؤقتة الأصل فيها الاحترام، أما العلاقات الدائمة الأصل فيها الاحترام وإظهار الاهتمام يعني أبادر في خدمتك ، أساندك، ألبي طلبك هذا الأصل فيها، إذاً هذا النوع الأول.

والنوع الثاني من العلاقات يسمى بـ “العلاقات القديمة” بمعنى مثلاً أنا أتمشى مع ابني ورأيت شخص سلّمت عليه وسلم عليّ بحرارة كيف حالك؟ وماهي أخبارك؟، وكأنه ملتقٍ بي بالأمس فيسألني ابني من هذا الرجل؟ فأجيبه “هذا كان جارنا في الحي القديم قبل عشرة سنوات”، وإذا رأيته كأنك رأيته بالأمس، هي ليست بعلاقة حية ولكنها أيضاً ليست ميتة إنما علاقة قديمة تبعث في المواقف واللقاءات، ففي العلاقات القديمة على قدر مروءة الناس يكون تواصلهم.

والنوع الثالث من العلاقات يسمى بـ “العلاقات المخطط لها”، الله عز وجل يقول (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم) بمعنى أن الإنسان يخطط لتكوين علاقة مع جماعة أو مع شخص ينفعه في دينه ودنياه لينتفع منه، وهل هذا النوع يسمى “المصلحجي”؟ نعم مصلحجي لكنه مصلحجي حكيم، لماذا حكيم؟ لأن من الحكمة أن تبتعد عمّن يضرك، ومن الحكمة أن تقترب ممن ينفعك، فهذه الصفة تصبح سيئة فقط عندما ” تأخذ ولا تعطي، تأخذ ولا تشكر”، لكن عندما تأخذ وتعطي وتشكر فتلك هي الحكمة والعلاقة الصحية والصحيحة، ومن العلاقات المخطط لها ما فعله سلمان الفارسي رضي الله عنه، ارجع وتأمل في قصته كيف أسلم وكيف خطط إلى أن يصل للنبي (ص) ويكوّن علاقة، تلك العلاقة هي العلاقة المخطط لها.

والنوع الرابع من العلاقات يسمى بـ ” العلاقات المنتظمة “، وهي العلاقات التي يجمعها زمان ومكان محددين وتستمر بشكل روتيني مثل زمالة العمل، علاقة العمل يجمعنا المكان والزمان من السّاعة كذا إلى الساعة كذا فقط، نحن نرى بعضنا في هذا المكان وبهذا التوقيت، العلاقات المنتظمة الأصل فيها أن تنقطع بمجرد الخروج من المكان وانتهاء الزمان هذا الطبيعي فيها، بمعنى أنا لا أعتب على شخص لا يكلمني بالعطلة من زملائي، فمعرفتي بحدود هذه العلاقة يجعلني أرتاح لأنني اعرف حدود طبيعة هذا النوع من العلاقات.
والنوع الخامس من العلاقات يسمى بـ ” العلاقة السطحية والعلاقة العميقة”، بمعنى أي علاقة قائمة على جمع المعلومات والحقائق والأسئلة والأوامر قطعاً هي علاقة سطحية، وكل علاقة قائمة على إظهار الأهمية ومشاركة بالاهتمامات قطعاً هي علاقة عميقة، فيبقى التساؤل المهم كيف أعمق علاقتي مع الآخرين؟ سواء كان ” ابني، زوجتي، والدي، والدتي” عليك بأمرين “مشاركةٌ بالاهتمامات وإشعارٌ بالأهمية “، ولقد جمعهما معلمنا وحبيبنا وتاج رؤوسنا ونبراسنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في قصته مع أخ أنس بن مالك الصغير عندما جاءه أخ أنس بن مالك وكان له طير يلعب معه اسمه “النّغير” ومات هذا الطير وموت هذا الطير للطفل أمر مفجع، فأصبح النبي (ص) كلما رآه ناداه وقال يا ” أبا عمير ما فعل النّغير” فمناداة النبي (ص) وتكنية الطفل بأبي عمير ماهي إلا من باب إشعار الطفل بالأهمية، وعند سؤال النبي عن الطير ما فعل النّغير والذي كان جلّ اهتمام الطفل كان يقصد النبي (ص) بذلك مشاركة الطفل باهتماماته.
لذلك القاعدة تقول إذا أردت أن تعمق علاقتك مع الاخرين وتأسر قلوب من حولك عليك بـ “أن تهتم بما يهتم به من تهتم به.

بقلم / د. صلاح الدين محمود الرياحنه
دكتوراه الصحة النفسية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى