بقلم: المستشار محمد الملكاوي
عندما ذرفت “زمرد رمضان داداشوفا” دموعها على المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه في خِضم إحياء الأردنيين هذه الأيام لذكرى “الوفاء والبيعة” لملك راحلٍ وملكٍ يتربع على عروش قلوبنا، شعرت كأردني بأن هذه الدموع التي داهمت عيني هذه السيدة (الأذربيجانية – الأردنية) فجأة وهي تتحدث بمحبة وصلت مرحلة العشق عن الأردن؛ بأن السنديانة الأردنية الشامخة التي أسسها الملك عبدالله الأول، وغرسها الراحل الحسين ويُعزز جذوها وفروعها وأغصانها بقوة الملك عبدالله الثاني في قلوب العالم بشكل عام، والشعب الأذربيجاني الشقيق بشكل خاص، هي سنديانة أصلها ثابت في أعماق البلقاء وجبال الشراةِ، وفروعها تعانق كل أشجار العالم، وفي مقدمتها أشجار غابات زنغيلان وتوبخانا وغابالا في أذربيجان بمحبة أردنية هاشمية، ممزوجة بنكهة البتراء ووادي رم ونسائم الكرك، وسنابل قمح إربد، ودحنون جلعاد، وعصا سيدنا موسى عليه السلام في مأدبا، وألوان أم الجمال العريقة العتيقة.
إنها دموع أذربيجانية غالية علينا كأردنيين يا “زمرد دادشوفا” التي انهمرت بحضور رئيسة الجمعية العامة في المعهد الإنساني الدولي بأذربيجان سفيرة السلام ألميرا مهادينيلي، مثلما هي دموع كل الأشقاء والأصدقاء والأحبة التي تعرف قيمة الأردن وقيمة ودور قيادته الهاشمية، التي تعتز بأنها ترى في طموحاتها بأن الأردن هو مركز الكون، وهو أيضاً الشمس التي تدور حولها كل أركان النجوم والكواكب والفضاءات، في كل أنحاء المجرّة، مثلما هي أشجار “الدلب والجميز” في جمهورية أذربيجان، وجبل النار “يانار باغ”، وناطحات السحاب “أبراج النار”، والبراكين الطينية، ومركز حيدر علييف والممر المائي، وإقليم “كاراباخ” الذي شاهدته عن قرب ووصفته بعد زيارتي القصيرة له بأنه جنّة من جِنان الدنيا، على أرض أذربيجان.
ولأن العلاقات الأردنية مع أذربيجان التي نحتفل بالذكرى الثلاثين لها هذا العام وتصادف غداً في الثالث عشر من شباط كل عامٍ هي نتاج عمل مؤسسي شيّدها راحلان عظيمان هما الملك الباني الحُسين بن طلال، والزعيم القومي لأذربيجان حيدر علييف (طيّب الله ثراهما)، وقائدين عصاميين هما الملك عبدالله الثاني ابن الحُسين وأخية إلهام حيدر علييف، فإني على قناعة بأن هناك العديد من القواسم المشتركة التي تجمع البلدين، والتي يمكنها أن تجعل الأردن محطة رئيسية لأذربيجان وشرق القوقاز ووسط آسيا في منطقة الشرق الأوسط، وأن تكون أذربيجان في المقابل هي المحطة الرئيسية للأردن ومنطقة الشرق الأوسط في شرق القوقاز ووسط آسيا.
وهذه القناعة راسخة في مهمّة وعمل ودبلوماسية سفير جمهورية أذربيجان في الأردن إيلدار ساليموف، وفي ذات الوقت هي نفسها راسخة في مهمّة وعمل ودبلوماسية سفير الأردن في أذربيجان سامي عاصم غوشة، اللذين يدركان من على قرب بأن مساحة التعاون الأخوي بين البلدين هي مساحة واسعة ويمكنها أن تمتد إلى الأقاليم التي يقع فيها البلدان، اللذان يسعيان إلى فتح آفاق استثمارية واقتصادية وسياحية وتعليمية وثقافية واجتماعية وشعبية، بمباركة قيادتي وحكومتي وشعبي البلدين.
وفي لقائي مؤخراً مع سفير أذربيجان في الأردن إيلدر ساليموف على هامش اجتماع عقد بين وحدة ثقافة السلام في الشرق الأوسط التي أترأسها والتابعة لمؤسسة العالم في أميركا، ووفد من المعهد الإنساني الدولي برئاسة رئيسة الجمعية العامة سفيرة السلام ألميرا مهادينيلي، أحسست بمقدار حرصه على تعميق العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات من خلال إقامة مشاريع مشتركة على أرض الواقع، باعتبار الأردن عمقاً لأذربيجان، وأذربيجان عمقاً للأردن. وأكد لي بأن وزارة الخارجية في جمهورية أذربيجان حريصة على ترجمة رؤى القيادتين والحكومتين في توسيع آفاق العمل والتعاون الثنائي بين البلدين.
كما أكد في ذات الاجتماع (الذي شاركت فيه مرشحة جائزة نوبل للسلام ومديرة الثقافات والتراث العالمي في المنظمة الدولية في منطقة ديترويت بالولايات المتحدة ورئيسة مؤسسة العالم في أميركا الأمريكية من أصول أردنية الأستاذة ندى دلقموني) بأن الأردن وأذربيجان يحرصان أولاً على ترسيخ السلام المحلي والإقليمي والعالمي من جهة، فيما يتطلّع كبار مسؤولي البلدين من جهة ثانية إلى أهمية تفعيل الاتفاقيات الثنائية، وتبادل المنتجات والسلع، والخدمات، وإقامة الاستثمارات المشتركة والشراكات الاقتصادية، من قِبل رجال الأعمال الأردنيين والأذريين، والاستفادة من البيئة الاستثمارية الآمنة والجاذبة في كلا البلدين.
ويجمع الأردن وأذربيجان جسوراً مشتركة وعريضة بأهدافها وغاياتها، يتعلق بعضها بالوسطية والاعتدال والتسامح والعيش المشتركة، فيما يتعلق البعض الآخر بخصوصية الموقع الجغرافي لكل دولة، حيث أن الأردن هو ملتقى الحضارات والثقافات في منطقة الشرق الأوسط، فيما تعتبر أذربيجان ملتقى التوافق الثقافي والحضاري أيضاً في شرق القوقاز ووسط آسيا، التي تجاور بحر قزوين والعديد من الدول العالمية المهمّة.
ولولا جائحة كورونا التي ضربت العالم عام 2020 لأصبحت خطوط الطيران مباشرة بين العاصمتين عمّان وباكو، مما يعني تشجيع السياحة والاستثمار والتعليم العالي في الجامعات بين البلدين وغير ذلك، لهذا أؤمن بأن المرحلة القادمة ستشهد حِراكاً لإعادة إحياء هذا الحُلم بين البلدين، لأن العاصمة عمان تتوسط منطقة الشرق الأوسط، وهي أيضاً خط جوي آمن وقريب لربط العاصمة باكو مع شرق أفريقيا وشرق آسيا، فيما يمكن اعتبار العاصمة باكو محطة مهمّة لربط العاصمة عمّان بشرق وغرب آسيا وأوروبا.
ولعل السياحة الدينية لمقامات وأضرحة الصحابة رضوان الله عليهم، والسياحية الطبية وخاصة سياحة الحمامات المعدنية والسياحة العلاجية في البحر الميت علاوة على السياحة الطبيعية للبتراء ووادي رم والبحر الميت، والسياحة الدافئة للأغوار والتراث الحضاري والثقافي العالمي وتعلّم اللغة العربية والشريعة الإسلامية ومختلف التخصصات الجامعية في الأردن هي من أهم المرتكزات التي يجب على الأردن التركيز عليها، فيما تعتبر أذربيجان مساحة واسعة للتعاون الاستثماري والتنموي والزراعي، علاوة على استقطاب السيّاح لأهم المعالم السياحية والثقافية والتراثية في باكو وقوبا وشاكي وغابالا ولانكاران وابشيرون وشوشة وغيرها، التي تعتبر متاحف طبيعية وغابات ومساحات خضراء تخلب لب الناظرين.
ومثلما نعتز في الأردن بأن الهاشميين قد أسسوا هذه الدولة واحتفلنا في العالم الماضي ببدء المئوية الثانية للمملكة الأردنية الهاشمية، فإن جمهورية أذربيجان تستعد هذا العام للاحتفال بمئوية ميلاد زعيمها القومي الراحل حيدر علييف الذي يُعتبر الزعيم القومي الباني لهذه الدولة، التي تشهد جنباتها وأحياءها وشوارعها وسماءاتها ومياهها وفضاءاتها بأنها دولة عميقة التاريخ والجذور والأصالة، مثلما هي عصرية في حاضرها وطموحة في مستقبلها.
وقبل أن أختم أود أن أعود إلى دموع “زمرد رمضان داداشوفا” التي تجمع حضارتين عريقتين، لأقول لها بأني مثلما هي المستشارة عبير الصلاحات رئيسة مبادرة (مبادرتي) لـ (المرأة) الأردنية قد شاركتني خلال ذلك اللقاء تلك الشجون الأذربيجانية الحانية، وشعرنا بقشعريرة أردنية بمنابع وأخاديد وطنية، فهي (أي دموعكِ) تؤكد لنا بأن الأردن وأذربيجان هما تؤام في السعي نحو السلام والاستقرار المحلي والإقليمي والدولي، وأنهما حاضنة مشتركة للتعاون الثاني والمُشترك. ولعل حرص رئيسة جمعية أرض العز للثقافة والتراث الأستاذة آمنة الملكاوي على ربط إرث وتراث البلدين الشقيقين لتكون جسر سلام هو أحد الأهداف السامية التي ستسعى لها الجمعية، فيما يترقب الشاب عبدالسلام الزواهرة باعتباره أحد القيادات الشبابية الدولية والأردنية ذاك اليوم الذي سيتم فيه بدء عمل الشبكة الشبابية بين البلدين.
وخلاصة القول فإني أقول لسفيرة السلام “ألميرا” بأن ارتداءك للكوفية الأردنية وشعار المئوية الأردنية هو جسر تواصل بين أذربيجان والأردن، وإهداؤك روش المعهد على صدور كل من عبير الصلاحات وآمنة الملكاوي هو نقطة انطلاق جديدة للعام الحادي والثلاثين في العلاقات بين البلدين، وهي محطة على طريق طويل أسسه الحسين بن طلال وحيدر علييف رحمها الله، ويواصل حمل رسالته الملك عبدالله الثاني والرئيس إلهام علييف. ونؤمن في وحدة ثقافة السلام في الشرق الأوسط بأن العلاقات بين البلدين راسخة ويجب تطويرها نحو آفاق أكثر اتساعاً، وأن ستكون بإذن الله مثالاً يقتدى ويحتذى.
زر الذهاب إلى الأعلى