الملف الاخباري : من النادر مشاهدة مائدة طعام لبنانية من دون إبريق “زيت الزيتون” يتوسطها، فهذا المنتج “البلدي” هو “سيّد” الطعام في البلاد، إذ يجتمع فيه سحر المذاق والفائدة.
لكن هذا الواقع قد يتغيّر العام الجاري، بسبب الغلاء الكبير بالأسعار، يرافق ذلك تراجع في إنتاج الزيتون، وهو ما قد يحرم عائلات لبنانية كثيرة هذه النعمة.
مع بدء موسم قطف الزيتون، يشكو المزارعون من تراجع كمية المحاصيل هذه السنة مقارنة بالأعوام الماضية.
أما زيت الزيتون، فقد حلّق سعره هذا العام نحو 4 أضعاف عن العام الماضي، فيما لا تزال القدرة الشرائية للبنانيين تتدهور.
وعلى وقع هبوط العملة المحلية مقابل الدولار، وارتفاع كلفة الإنتاج، فضلاً عن تراجع كميات المحاصيل، بلغ سعر صفيحة (16 كلغ) زيت الزيتون نحو مليوني ليرة، بعدما كان العام الماضي حوالي 500 ألف.
وعلى مدى أكثر من عامين، سجلت العملة اللبنانية هبوطاً قياسياً على وقع أزمة اقتصادية حادة، إذ بلغت مؤخراً قيمتها مقابل الدولار 20 ألف ليرة في السوق الموازية (السوداء)، بعدما كانت 1510 ليرات طوال أكثر من ربع قرن.
هذا الواقع الاقتصادي الصعب جعل رواتب معظم العمال والموظفين تتآكل قيمتها، وتتراجع قدرتها الشرائية إلى مستويات غير مسبوقة، تزامناً مع رفع أسعار الوقود والخبز، ما ينعكس صعوبة في شراء زيت الزيتون بسبب غلائه.
** أسباب طبيعية وواقع معيشي
يعد زيت الزيتون ركناً أساسياً في المطبخ اللبناني، نظراً إلى دخوله في معظم الأطباق والأكلات، ويُقدر أن العائلة تحتاج سنوياً إلى نحو 60 لترا مؤونة، إلا أن الارتفاع الكبير بسعره قد يدفع البعض نحو تغيير نظامهم الغذائي.
يقول فهد ترو، أحد مزارعي الزيتون في منطقة الشوف (وسط)، إن المحصول هذا العام أقل بـ 25 في المئة عن المواسم الماضية، مضيفاً أنه من 10 سنوات لم يلاحظ مثل هذا الانخفاض في الإنتاج.
ويشير ترو للأناضول، إلى أن تضاؤل المحصول قد تكون أسبابه مختلفة، من بينها موجة الحر التي شهدتها البلاد، وربما بسبب تغير المناخ وتقلباته.
ويضيف أن زيت الزيتون ركن أساسي من أركان المطبخ اللبناني، لا يمكن أن يتخلى عنه المواطن بسهولة، نظرا إلى استعمالاته المتعددة في المائدة.
ويلفت إلى أن غلاء الأسعار يجعل الوضع مأساويا أكثر، وقد يصبح زيت الزيتون حلماً بالنسبة إلى كثيرين في ظل الانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يعاني منه اللبنانيون.
والزيتون هو من الزراعات الأساسية في لبنان بـ 13,5 مليون شجرة تحتل حوالي 5,4 في المئة من أراضي البلاد البالغة مساحتها 10452 كلم مربعاً، تنتج هذه الأشجار سنوياً بين 100 و200 ألف طن من الزيتون.
30 بالمئة من هذه المحاصيل تستخدم زيتونا على مائدة الطعام، أما 70 بالمئة المتبقية فيتم استخراج الزيت منها، حيث تراوح الكمية سنوياً بين 15 و25 ألف طن من زيت الزيتون، يصدر منها نحو 5 آلاف طن.
** معاصر الزيتون
يقف سعيد غوش داخل معصرة الزيتون التي يملكها في المنطقة ذاتها، متأملاً انسياب الزيت بلونه الأخضر النقي، وبعكس السنوات الماضية، فإن الإقبال على المعصرة ضئيل هذا العام.
ويقول غوش للأناضول، إن موسم الزيتون هذا العام ليس وفيراً، مشيرا إلى أن “إنتاج معصرته لا يشكل سوى ربع الإنتاج مقارنة بالسنوات الماضية”.
ويشير إلى أن “الإقبال الخفيف على عصر الزيتون قد يكون سببه سعر الصفيحة الذي يبلغ 100 دولار، أي حوالي مليوني ليرة وفق سعر صرف الدولار حالياً”.
** ارتفاع كلفة الإنتاج
كما يعاني أصحاب المعاصر صعوبات كبيرة في الإنتاج مع انعدام الكهرباء وغلاء مادة المازوت لتشغيل المولدات الخاصة، ما أدى إلى زيادة كلفة إنتاج زيت الزيتون.
وبخلاف الأعوام الماضية، فإن الإنتاج المحدود لم يسعف المزارع حسين ياسين في بيع زيت الزيتون كما كان يفعل كل عام، بل اكتفى بتأمين مؤونته بسبب قلة المحصول من أرضه هذا العام.
يقول ياسين للأناضول، إن “هذا الموسم لم يقدر على قدر آمالنا، لكن الحمد لله استطعنا تأمين مؤونتنا ومؤونة جميع أفراد العائلة”.
أما بيع المحصول، فقد تكون عملية غير مربحة، بسبب الكلفة المرتفعة الناتجة عن أجور العاملين بالقطاف، وكلفة العصر، ومصاريف العناية بالأشجار، بحسب ياسين، الذي شكا من “عدم دعم الدولة للمزارعين بالشكل المناسب”.-(الاناضول)
زر الذهاب إلى الأعلى