تكنولوجيا

“فيسبوك” و”أبل”.. صراع قديم أحدث فصوله “خطف الكفاءات”

الملف الإخباري- تستعر المنافسة في وادي السيليكون بين “ميتا” (فيسبوك سابقا) و”أبل”، وقد أخذت الخلافات بين العملاقين مؤخرا منحى جديدا تمثل بالسعي لاستقطاب الكفاءات والمواهب التقنية.

وأعلنت “أبل” منحها بعض المهندسين مكافآت كبيرة على هيئة أسهم، للاحتفاظ بهم، والحيلولة دون “اختطافهم” من قبل “فيسبوك”.

وأشارت تقارير إلى أن قيمة المكافآت تراوحت بين 50 ألف و180 ألاف دولار، يتسلمها المهندسون على مدار أربع سنوات.

وبلغت الحرب “الكلامية” بين الشركتين ذروتها في أواخر ديسمبر، حيث تحدثت “أبل” عن تغيير وشيك في نظام تشغيل “آيفون”، لتنبيه المستخدمين عندما يتتبع أحد التطبيقات بياناتهم الشخصية مثل الموقع وسجل التصفح، والذي تستخدمه شركات مثل “فيسبوك” لتوجيه إعلاناتها بغرض استهداف المستخدمين، حيث يمنحك التنبيه خيار حظر التتبع قبل استخدام التطبيق.

وادعت “فيسبوك” أن خطوة “أبل” مصممة لسحق الشركات الصغيرة التي تعتمد على الإعلانات المستهدفة للوصول إلى عملائها عبر الإنترنت، كما حذرت – بدون دليل – من أن خطوة “أبل” ستجبر مطوري التطبيقات على التوقف عن تقديم برامج مجانية مدعومة بالإعلانات لعملائهم.

وبدلا من ذلك، سيتعين فرض رسوم على العملاء من خلال الاشتراكات الرقمية أو الرسوم الأخرى، على غرار تلك التي يدفعها المستخدمون من خلال التطبيقات التي يقومون بتنزيلها على متجر البرامج الخاص بـ”أبل”.

وعلى الفور، ردت “أبل” على اتهامات “فيسبوك”، قائلة إن النافذة المنبثقة التي سيراها المستخدمون في التطبيقات مصممة فقط لإعلامهم بتتبع التطبيق لهم، وليس حظره تماما، وسيتوجب في حال الموافقة على تتبعهم إعطاءها الإذن بذلك، لافتة إلى أن الخطوة جاءت ضمن استراتيجيتها الرامية للتركيز على الخصوصية، والتي حرصت عليها في المنتجات التي قدمتها على مرّ السنوات الماضية.
ولم تقتصر المعارك الدائرة على الحرب الكلامية والإعلانات التي تحمل رسائل خفية، حيث وصلت الخلافات إلى القضاء، إذ اتهم “العملاق الأزرق” منافسه مطلع ديسمبر الفائت بإساءة استخدام قوته السوقية بعد أيام من قيام لجنة التجارة الفيدرالية ومجموعة من المدعين العامين بمقاضاة موقع التواصل بدعوى انتهاكات تتعلق بالاحتكار.

وفي أكتوبر أصدرت اللجنة القضائية التابعة لمجلس النواب بشأن مكافحة الاحتكار تقريرا عن “القوة الاحتكارية” لأربعة عمالقة في مجال التكنولوجيا، زاعمة أن “أبل” تستخدم هيمنتها على متجر التطبيقات لسحق المنافسين المحتملين.

وطبعا رفضت كلتا الشركتين الادعاءات بأن أعمالهما تنتهك قوانين مكافحة الاحتكار أو تسيئان استغلال القوة السوقية.
ولا تعد هذه المناوشات بين الشركتين جديدة، إذ سبق للرئيس التنفيذي لـ”أبل” تيم كوك أن شنّ هجوما لاذعا على الممارسات التجارية لمنافسيه من الشركات التكنولوجية في خطاب حماسي ألقاه بمؤتمر الخصوصية الذي انعقد في بروكسل بأكتوبر 2018.
وقال كوك وقتها: “كل يوم، يتم تبادل مليارات الدولارات، واتخاذ قرارات لا حصر لها، على أساس ما نحب ونكره، وعلاقاتنا ومحادثاتنا، رغباتنا ومخاوفنا، وآمالنا وأحلامنا. كل هذه البيانات بمفردها ليست ضارة، ولكن تجميعها وتوليفها وتداولها وبيعها، يمثل خطرا حقيقيا”.
ورغم أن كوك لم يذكر “فيسبوك” بالاسم، فقد كان من الواضح أنه يهاجم شركة مارك زوكربيرغ، التي باتت إمبراطورية من خلال جمع بيانات مستخدميها وتسخيرها لصالح نظام الإعلانات المستهدفة، والتي تمثل “نصيب الأسد” من إيراداتها وفق بيانات مؤسسات متخصصة برصد الإيرادات.

وردّ زوكربيرغ على كوك من خلال مقابلة أجراها مع مجلة “تايم” الأميركية، قال فيها: “ينتقد كثيرون نموذج عمل إعلاني لكونهم غير قادرين على تقديم ما يتوافق وعملائهم. إن كانت أبل تلبي تطلعات المستخدمين وتحرص عليهم، فلماذا لا تجعل أسعار منتجاتها أرخص؟”.

سلطت الحرب الكلامية بين الشركتين على مدى العقد الماضي الضوء على الاختلاف الأساسي في الرأي بين “أبل” و”فيسبوك” حول كيفية القيام بالأعمال التجارية على الإنترنت.

فمن وجهة نظر “فيسبوك”، يمثل الإنترنت “حلبة صراع” مع وجود العديد من المنصات المنافسة التي تقدم خدمات مبتكرة مجانية.

صحيح أنك قد لا تدفع مقابل هذه الخدمات المال، ولكنك ستسمح بتتبع بياناتك وتجميعها، ليتمكن المعلنون من عرض الأشياء التي قد ترغب في شرائها أمامك مباشرة أثناء تنقلك بين الأجهزة والخدمات المُقدمة.

أما وجهة نظر “أبل” فتقوم على اعتبار الإنترنت مجرد امتداد لثورة الحوسبة الشخصية التي ساعدت الشركة في بدايتها بحقبة الثمانينيات، واعتبار الهاتف أكثر الأجهزة الشخصية على الإطلاق، وأنه يجب أن يعرف المستخدمون ما الذي ستفعله الشركات بالمعلومات التي يتم جمعها من خلاله قبل مشاركتها مع أطراف خارجية.

جذور الخلاف بين الشركتين تعود لظهور “آيفون”، حيث كان الجدل الدائر حول الشكل الذي يجب أن يبدو عليه الإنترنت عبر الهاتف المحمول.
هل سيبدو الإنترنت على جهاز كمبيوتر سطح المكتب، حيث يستخدم الأشخاص في الغالب مستعرض ويب للجوال لزيارة مواقع الإنترنت، مع بناء كل شيء وفق معايير منشورة بشكل علني، أم هل سينتقل المستخدمون بين مجموعة تطبيقات البرامج المتصلة بالإنترنت، مما يمنح مزيدا من التحكم للشركات التي تمتلك منصات الأجهزة المحمولة؟.

فضلت “فيسبوك” خيار الإنترنت المفتوح، وحثت على استخدام تطبيقات الويب المكتوبة وفقا للمعايير مفتوحة المصدر، لكنها خسرت المعركة إلى حد كبير بسبب “أبل” التي دفعت بنموذج التطبيق باعتباره الطريقة الافتراضية لإنجاز المهام على “آيفون”، ثم أصرّت على أن متجر التطبيقات الخاص بها سيكون الطريقة القانونية والسهلة الوحيدة للعثور على تلك التطبيقات وتثبيتها.

وهنا جاء دور “غوغل” التي تعاملت مع الوضع بذكاء، حيث استثمرت في نظام “آندرويد” للجوال ومتجر تطبيقات “غوغل بلاي” الخاص بها، بالإضافة إلى بناء متصفح الإنترنت “كروم” وممارسة التأثير على معايير الويب.

ومع اتضاح معالم مستقبل التقنية بشكل أكبر، قامت “فيسبوك” بمحاولات لصنع هاتف ذكي خاص بها حتى لا تضطر إلى التنازل عن الكثير لصالح “أبل” أو “غوغل”، لكن الجهاز لم يرَ النور.

اليوم، تعمل “فيسبوك” على وضع أسس امتلاك منصة الحوسبة الرئيسية التالية حتى لا تضطر إلى اللعب وفقا لقواعد شركة أخرى مرة ثانية، لذا فهي تطوّر منتجات مثل النظارات الرقمية.

من الصعوبة بمكان معرفة مخططات الشركتين المستقبلية للمواجهة، لكن “أبل” لن تتراجع عن ميزة الخصوصية الرئيسية لـ”آيفون”، ولن تخاطر “فيسبوك” بفقدان ملايين المستخدمين من خلال سحب تطبيقاتها من متجر التطبيقات.

كما أنه يتعذر أيضا إثبات حجة “فيسبوك” المعلنة ضد النافذة المنبثقة، إذ تؤكد أن مستخدميها يفضلون الإعلانات المخصصة والمستهدفة التي تتيحها عملية جمع البيانات، على عكس الإعلانات العشوائية التي يتم عرضها على جمهور عريض بدون استهداف.
من المؤكد أن العام الجديد 2022 سيحمل المزيد من المنافسة بين الشركتين، والتي نأمل كمستخدمين أن تصب في صالحنا سواء كانت من ناحية المنتجات والخدمات، أو حماية خصوصيتنا وبياناتنا الشخصية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى