عربي ودولي

كونية الحس الجمالي للفن الاسلامي ودوره في ثقافة ودور الهاشميون بحمل أمانة حفظ ورعاية المواقع الإسلامية المقدسة في القدس

الملف الإخباري- استضاف مركز البحر الاحمر للدراسات والتنمية المستدامة بجمهورية مصر العربية الباحث الاردني د. مطلق ملحم بتقديم ندوة موسعة استغرقت حوالي الساعتين بعنوان “كونية الحس الجمالي للفن الإسلامي ودوره في ثقافة وتنمية المجتمع” مساء يوم السبت الماضي حيث استهل الحديث عن دور الفنان وجمالية الفن الإسلامي وخاصة ما يتعلق بالخط العربي، والزخرفة الإسلامية، والهندسة المعمارية على الطراز الإسلامي، ودوره في ثقافة وتنمية المجتمع، وبحضور نخبة من اساتذة الجامعات والمختصين بالفن الإسلامي ودور الهاشميون بحمل أمانة حفظ ورعاية المواقع الإسلامية المقدسة في مدينة القدس، وجاء في محاضرته ما يلي:

يتناقل الفنانين الأخبار والنشاطات التي تحدث مع المبدعين الأكثر قدرة على إضاءةِ فنهم من خلالِ عملهم الفني، والتي تمتاز برؤيةِ الإبداع الفني من خلالِ إقامة المعارض والمشاركة في بعضها داخل بلدهم أو خارجها وقد اخترت هذه الندوة بعنوان “كونية الحس الجمالي للفنِ الإسلامي في ثقافةِ وتنمية المجتمع”… وما تنقله هذه المحاضرة ينخرط في النظرةِ التي يولي فيه الفنان المسلم أهمية كبرى في الوقوفِ على طبيعةِ عمله الفني، وما يدور في أفقهِ من خلالهِ.. يتناول أيضاً الرؤية الفنية.

في زمننا الحالي، اختلفت وسائل التعبير التي يؤدى بها الفن الإسلامي.. على مختلفِ فنونه وأشكاله! ذلك لأن قوالب الفكر الإنساني المعاصر التي تصب في داخلهِ هذه الفنون، والتي دخلت ضمن عناصر ومقومات البنية الحديثة للأعمالِ الفنية.. استحدثت وفق مدارس يُؤطر من خلالها كل الفنون، بعض هذه القوالب لا يشكلْ قيمة، فمفهومها عبء على المشاهدِ.. والبعض الآخر قد يكون مبهماً وبالغ التعقيد! وهذا يضع الأعمال الفنية بكافةِ انواعها التي تأخذ مساراً حديثاً، موضع الاهتمام.

فالفنان الذي يرى من الكونِ المادي مشاهده “الحية” وحدها أو “الجامدة” وحدها أصغر مساحة في التقويمِ الفني والإنساني من الفنانِ الذي يرى ذلك الكون المادي في مجاليهِ، فيحتفل حسه بالجمالِ المبثوث في ربوعِ الكون كله من أناسِ وطير وحيوان ونبات وجبال وأنهار.. ويكون هذا الأخير أكبر مساحة في التقويم الفني والإنساني لو استطاع في الوقتِ ذاته أن يدركَ الروح السارية في هذا الكون كله.. الروح التي لا تجعله مادة جامدة حتى في الأشياءِ الصامتة بل تجعله حياً يتحرك ويحس ويتعاطف.

والتصور الإسلامي للكونِ والحياة والإنسان هو أشمل تصور عرفته البشرية حتى اليوم، إنه التصور الذي لا يأخذْ جانباً من الوجود، ويدع جانباً آخر.. التصور الذي لا يجعلْ الحس بمعزلٍ عن الحياةِ المنبثة في أعماقِ الكون، بل يطلق الحس ليتأمل الحياة في كلِ شيء في هذا الكون ويتصل به اتصال المودة والقربى والإخاء..

وأضاف الباحث ملحم: إنه التصور الذي لا يأخذْ الإنسان ضرورات قاهرة ويدعه أشواقاً طائرة .. بل يأخذه بمجموعهِ كله، ثم لا يأخذهْ فرداً واحداً في جيلٍ واحد.. بل لا يأخذهْ في الحياة الدنيا وحدها ويدع الآخرة، وإنما يأخذه فرداً وجيلاً وسلسلة متصلة من الأجيالِ ثم يأخذه كياناً ممتداً بين الدنيا والآخرة على نسق متصل مترابط الأجزاء.. ذلك أصفى تصور لحقائقِ الوجود وأجمل تصور في تاريخِ البشرية كله، فكل نظام آخر وكل عقيدة أخذت شيئاً من هذهِ الجوانب المتعددة فنشأ من ذلكِ قصور في التصورِ وخلل في التوازن.

فلكي يحقق الفنان وجوده لا بدْ أن يُكونَ شخصيته الفنية الخاصة به ليصبح متمكناً وبارزاً في محيطهِ الفني، وأي فنان يطمح للوصولِ إلى ما يسمى بفنِ العالمية، يجب أن يثبتَ وجوده بين الفنانين العالميين، لا بدْ له أن يحققَ هذا الوجود في إطارهِ الفني الإقليمي الذي يحدد هويته، نجاح الفنان المسلم يقاس بإمكاناتهِ وقدراته في التعبيرِ والتمثيل لإبراز القيم الإنسانية ومثلها العليا، بأسلوبٍ يكون فيه مبدعاً ومبتكراً.

إن كونيةَ الحس الجمالي للفنِ الإسلامي، هي جزء من جمالِ الموضوع وهي عامل في تكاملِ جماله، إنها حركة ليس مادية فحسب وإنما هي جمالية أيضاً، فالوردة يتكامل جمالها باطرادِ حركة نموها، والنهر يبلغ غاية جماله بحركةِ جريانه، وسر جمال الكواكب في حركةِ جريانها، وحركة الضوء من الشهبِ ذات قيمة جمالية (زينة) وذات قيمة وظيفية. هذه الحركة هي مصدر المتعة الجمالية لدى المستجمل لأنها تختزن الوعد بالحياةِ، وهي مصدر قيمة وجودية لها دلالتها ووظيفتها في نسقِ الحياة.

“الفن” هو التّعبير الجماليّ عن فكرةٍ أو ذوق معيّن، وهو ميدان جدّ واسع وثريّ مثل الرّسم، المسرح، الطّبخ، السّينما، الموسيقى، فن العمارة، فنون التلوين، التصميم… إلخ، فكلّ هذه فنون لها ميادينها الخاصّة بها، وهناك من يُعرّفِ الفنّ بكونه النّشاط الإنسانيّ الذي يحمل دلالات الوجدان والإحساس والشّعور. (بصمة النّفس الإنسانيّة(، ولعلّ الوظيفة الرئيسة للفنِ هي تهذيب النّفس البشريّة، والارتقاء بها إلى أعلى مراتب التعبير الجماليّ.

واضاف الباحث مطلق ملحم: وبعد أن تعرض المسجد الأقصى للحريق المتعمد عام 1969م، تحوّل واحد من أروع كنوز العالم الإسلامي إلى حطام من رماد. وبعد هذا الحريق المتعمد، تعهّد المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه)، بإعادة بناء المنبر، وهو عمل عظيم وجبار تجلت فيه روح الوفاء والمحبة والأصالة العربية الهاشمية.

 وبأمر من جلالة الملك الحسين بن طلال (رحمه الله)، إذ تم تشكيل لجنة من العلماء والمهندسين والفنانين المختصين لإعادة أعمار المسجد المبارك وقبة الصخرة المشرفة، والمباني الدينية الأخرى في الحرم القدسي الشريف. فقد تبرع الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه)، بكل تكاليف الأعمار بمبلغ 8.25 مليون دينار أردني. وقد تم إزالة آثار الحريق الذي دمر حوالي ثلث المسجد، وإعادة صنع منبر المسجد الأقصى لتأتي صناعته أقرب ما يكون للمنبر المحترق بشكله وتصميمه وزخرفته الإسلامية الأصلية، كما تم ترميم القبة الخشبية الداخلية والرخام والأسقف والأقواس والأعمدة والزخارف، وكذلك إعادة تركيب القبة الخارجية باستبدال ألواح الألمنيوم بأخرى من الرصاص، وأعيد تركيب سورة الإسراء بالفسيفساء المذهبة. على مدى قرون، حمل الهاشميون أمانةً خاصة، هي أمانة حفظ ورعاية المواقع الإسلامية المقدسة في مدينة القدس، ومنها القيام بإعادة بناء المنبر وهو أكثر من مجرّد اختبار للمهارات، فهو أصبح جُهْداً رئيسياً عظيماً لحماية التراث الفكري للعالم الإسلامي، هذا التراث المميز. وعندما اعتلى جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين عرش المملكة الأردنية الهاشمية بعد وفاة والده المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال(طيب الله ثراه)، حمل معها ذلك التحدّي ليتمكن من إعادة بناء منبر صلاح الدين، ليأخذ مكانه ثانية في المسجد الأقصى المبارك في القدس.

أطلق جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، رسميا الجهد الأردني لإعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي، بدلا من المنبر الذي أحرقه يهودي ليكون نسخة طبق الأصل عن المنبر الذي احرق بالكامل في حريق المسجد الاقصى عام 1969م، وعلى الرغم من صعوبة مهمة البناء فقد أولى الأردن بتوجيهات مباشرة من جلالة الملك عبدالله الثاني فكرة إعادة بناء منبر صلاح الدين الأيوبي جل اهتمامه ليماثل تماما في شكله وفي صناعته المنبر الأصل وفقا للصورة التي بني عليها قبل 800 عام.

وكان جلالة المغفور له الملك الحسين قد أمر بإعادة صنع منبر صلاح الدين عام 1993م قائلا في كتاب وجهه إلى رئيس الوزراء عبدالسلام المجالي ”لقد صممنا وآلينا على أنفسنا أن نحافظ على المقدسات والتراث الخالد الذي منه منبر صلاح الدين الأيوبي ذلك المنبر الذي لم يعمل في الإسلام مثله، ولا بد من إعادة صنعه على صورته الحقيقية المتميزة ببالغ الحسن والدقة والإتقان…. ليعود إلى سابق عهده في أداء دوره التاريخي في هداية المؤمنين وتوعيتهم وحفزهم على التعاون والتضامن”.

وقد اطلع جلالته على تفاصيل مراحل بناء المنبر الذي استغرقت أربع سنوات، حيث تضمن أكثر من 150 تصميما لجميع أجزائه. وفي سياق المسؤولية التاريخية للهاشميين تجاه القدس والمقدسات الإسلامية، أطلق جلالة الملك عبدالله الثاني رسميا الجهد الأردني ليبدأ العمل بإعادة منبر المسجد الأقصى عام 2002م حيث تم تجميع اللوحة الزخرفية الأساس، وتفضل جلالة الملك عبدالله الثاني بوضعها في مكانها من جسم المنبر. أزاح اللوحة الرئيسية عن منبر صلاح الدين الأيوبي إلى مكانها عام 2007م في جامعة البلقاء التطبيقية، وانتهى العمل به وتم تركيب المنبر في المسجد الأقصى المبارك.

تهدف هذه الدراسة لبيان أهمية الحضارة الإسلامية كونها الدرع الواقي والحصن المنيع الذي يمنع عنا أخطار المجابهة الفكرية والتحدي الحضاري الذي يهدد كيان أمتنا وشخصيتها، ومن واجبِ كل فرد منا أن يتحسسَ مخاطر هذه الظاهرة، فيحمي نفسه وأسرته ومجتمعه من ذلكِ الخطر الذي تحرص الحضارة المعاصرة على ترسيخهِ في أذهاننا، متمثلاً في توهين القيم الروحية والفكرية التي تقوم عليها ثقافتنا.

وتضمنت الدراسة المحاور التالية: المقدمة، أهمية الدراسة، منهجية الدراسة، هدف الدراسة، تعريف الفن، ما هو الفن الجمالي، كونية الحسَ الجمالي للفنِ الإسلامي، مفهوم الفن الاسلامي، تاريخ الفن ونشأته، فـن الزخرفة الإسلامي: (الزخرفة الهندسية، الزخرفة النباتية، الزخرفة الخطية، وظيفة الزخرفة، مكونات الزخرفة، خصائص الزخرفة)، كيف تطور الفن، خصائص الفن الإسلامي، معرفة تأثير الألوان على النفس، معرفة تأثير الألوان على النفس، الفن الاسلامي وزخرفة المساجد، العناصر المعمارية في المسجد (أولا: الطراز الأمـوي، ثانيا: عمارة المساجد، الزخرفة الإسلامية في المسجد النبوي قديما، المسجد الأموي)، المسجد الأقصى، نوافذ المسجد الاقصى وروعة العمارة الإسلامية، تميز الخط العربي، رعاية العثمانيين للخط العربي وجماليته، الخط العربي وزخرفة المساجد والمباني، الفن التشكيلي ما بين الماضي والحاضر، دلالات الألوان في القرآن الكريم، اسلوبي برسم اللوحات التشكيلية عبر استخدام الخط الكوفي، كونية سر الحياة، الألوان وتأثيرها على المزاج والصحة، أثر الدين على العمارة والفنون، ما هو دور الفن الاسلامي في ثقافة المجتمع، ما هو المعنى العام للفن، أثر المرأة المسلمة في الفن الإسلامي، هل الجمالية علم أم فلسفة، فلسفة الفن الاسلامي ودوره في حياة المجتمع، استراتيجية الفنون الرقمية واثرها في المجتمع، كونية الجمال من الالهام الافلاطوني للفن التوليدي والذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى