مقالات

مجانية التعليم العالي… والطالبة الضحية… ! د. مفضي المومني

الملف الاخباري- بداية رحم الله الطالبة التي قضت على يد أبيها، والتي هزت مشاعرنا جميعا، وأيا كان السبب فلا يوجد مبرر واحد لما حصل، وستلاحق روح المرحومة كل من ساهم في إزهاقها، والقضية أبعد من والد تصرف دون أدنى مشاعر إنسانية، وبجهل أعمى، وإنعدام للرحمة، وهنا يثار سؤال… هل نحن كمجتمع وحكومة مسؤولين عن ذلك؟ وماذا يجب أن نفعل؟ لكي لا تتكرر هذه الواقعة الأليمة التي أدمت قلوبنا جميعاً.

المنعمون المترفون الفاسدون منهم، أبناء الذوات والحضوات، لا يعرفون ولا يشعرون بوجع العامة، فهم يعيشون في برجهم العاجي وقد انتفخت بطونهم وعاثوا في المجتمع فساداً وإفساداً ونهباً لمقدراته، أبنائهم يدرسون في ارقى مؤسسات التعليم في الداخل أو الخارج وعلى حساب المال العام مسروقاً أم مدفوعاً..!، فضاعت المساواة والتكافل.

من منكم يعلم وجع العائلات الأردنية وهي تلملم الرسوم الجامعية لأبنائها؛ تستدين، تبيع آخر ما تملك تعمل تشقى، تعيش القلق والعوز وتُقتر في لقمة عيشها وتجوع، لتوفر القسط الجامعي اللعين..! وفي المقابل بعض جامعاتنا تشطح في رفع الرسوم والضغط على الطلبة وأهاليهم بقلوب باردة، منفصلة عن وجع الناس وحالهم البائس، ويطرق الأهالي باب الإدارات الجامعية، فيرفضوا استقبالهم حتى أو سماع وجعهم او إمكانية التقسيط… .و(إدفع يعني إدفع)، ولا يغيب عنا حادثة الطالب الجامعي الذي حرق نفسه وقضى من أجل القسط الجامعي، ولم يحرك ذلك فينا ساكنا للأسف..!. من هنا فقد كتبت سابقا عن مجانية التعليم وطرح ذلك من قبل وزراء ومسؤولين، ولكن لا أحد يسمع..! فهل سننتظر ليصبح ضحايا القسط الجامعي أكثر وأكثر… فالذين يموتون قهرا وعوزاً دون أن نعلم، وهم يعانون الأمرين لتعليم ابنائهم كثر، ولكي نتخلص من كل هذا لا بد من التفكير بمجانية التعليم الجامعي وقد كتبت سابقاً بذلك ما يلي:

في خضم المراجعة لوضع التعليم العالي في بلدنا، وإدراكنا جميعا ومن باب الحرص على القاعدة الكبيرة والنوعية التي نمتلكها في مجال التعليم العالي وطموحنا بالرقي به نحو الافضل وليس من باب جلد الذات او الانتقاص من قدراتنا، وليس من الحكمة ايضا ان ندفن رؤوسنا في الرمال وننتظر العاصفة، لدينا محددات ومشاكل وهنات وتراجع يجب ان نتحسسها ونعالجها وكل دول العالم لديها ذلك وبدرجات متفاوتة، وقديما قالوا الجبر قبل الكسر! ولا نلتفت الى من يدعي الكمال الفارغ من المضمون، معايير التقييم العالمية للجامعات متاحة لمن يريد، والتقدم يأتي بالعمل الدؤوب وبمعايير عالمية اصبحت متاحة ومعروفة لمن ينشد التقدم والتطور، ولنا ببعض التجارب المحلية والاقليمية خير دليل، فقد تقدمنا البعض مع اننا كنا السباقين وكوادرنا عملت وتعمل لديهم، سبقونا لانهم عملوا ومولوا وجندوا المختصين لما يجب عمله، ولم يستندوا الى نجاحات كرتونية!
والحديث عن مجانية التعليم يقودنا الى ما يسمى؛ رأي الاقتصادي والتربوي وعلم إقتصاديات التعليم، فالتربوي يأخذ الراي المثالي بأن التعليم حق للجميع وهذا يحتاج ميزانية كبيرة جدا، أما الأقتصادي فيقول ان التعليم يجب ربطه بحاجات سوق العمل، ويؤمن بمفهوم رأس المال البشري، ومبدأ الربح والخسارة في التعليم، حيث يعتبر بطالة المتعلم خسارة مادية على الدولة، ويُؤمن بالمردود الذي يحققه المتعلم بعد تخرجه بصيغة مالية مقابل ما انفق عليه، وهو في البلدان الصناعية قصير المدة واما في بلداننا فالوضع مختلف، وهنا عملت الكثير من بلدان العالم لإيجاد مقاربة علمية وعملية بين الرأيين، ويحضرني تصريح لوزير التربية والتعليم العالي الأسبق الدكتور وليد المعاني انه “لا رفع للرسوم الجامعية، بل هناك توجه لزيادة المنح الى جانب مشروع طموح لجعل التعليم العالي مجانيا”والذي جاء خلال جلسة غير رسمية لمجلس النواب السابق، وحضور رؤساء لجان وكتل نيابية وعدد من الوزراء، وفعاليات شبابية (التحديات التي تواجه الشباب وسبل دعمهم وتمكينهم). ونشرته (بترا)، قبل تصريح الوزير وفي خضم الوضع الاقتصادي والإتجار بالتعليم من قبل البعض الى حد تجاوز كل المحددات الاكاديمية المقبولة، وإدراك قطاعات المجتمع والاهالي لكلفة التعليم الجامعي وإثقاله كاهل الاردنيين، ونحن نعرف ثقافة شعبنا وحبه للتعليم، وبيع الاهالي لآخر ما يملكون في سبيل تعليم ابنائهم، كانت المناداة بمجانية التعليم الجامعي على استحياء من قبل البعض، حتى ان الجهر بذلك كان من باب الترف الفكري!، اما وقد صرح به معالي الوزير الأسبق وغيره، وهو موجود في الكثير من بلدان العالم، فيجب أن يلامس تفكيرنا وتخطيطنا، ونتأمل ان ينفذ هذا المشروع الطموح باسرع ما يمكن، لعدة اسباب منها: تخليص الإدارات الجامعية من الإنشغال بالتمويل والأمور المالية والرواتب وغيرها وتركيز الجهود نحو العملية الأكاديمية والتطور والبحث العلمي، وايضا التخفيف عن كاهل المواطنين وخاصة غير المقتدرين وهم كثر، وإلغاء التمييز في الحصول على التعليم الجامعي وحصره بالقدرات، وليس بالفئات المختلفة او من يستطيع الدفع، نعم يمكن الوصول لمجانية التعليم الجامعي وهنالك بلدان عديدة تطبق ذلك من خلال مشروع حكومي اجتماعي يحقق التكافل بتمويل التعليم الجامعي من الحكومة والشعب والمؤسسات والقطاع الخاص، بحيث يتم دفع كلفة التعليم من خلال اقتطاع من الضرائب القائمة او وضع ضريبة محددة على الجميع يخصص ريعها لتمويل التعليم الجامعي، واعتقد ان ضريبة دينار الجامعات موجودة وريعها يصل الى 480 مليون دينار اذا كانت تسعفني الذاكرة بما قرات سابقا، ولا يمنع أن تكون ميزانية التعليم مثل ميزانية الدفاع، فالتعليم هو خط الدفاع الأول ورافعة الأوطان أيضًا، المهم ان يصبح تمويل التعليم الجامعي تكافلي اجتماعي لكل فعاليات المجتمع العامة والخاصة إضافة للدعم الخارجي من الدول والمؤسسات الدولية، بحيث يتم إنشاء محفظة وطنية او صندوق وطني للتعليم يتم رفده بالمال بالطرق التي اسلفت وغيرها، وكذلك إستثمار موجوداته، ليصبح صندوق تعليم وطني للأجيال، ويكون قادرا على الصرف على التعليم في وطننا، ولا ننسى توجيه الجامعات نحو تفعيل مفهوم الجامعة المنتجة.

مجانية للتعليم العالي يجب ان يُتفق عليها من خلال إستراتيجية وطنية لتشجيع الانخراط في التعليم التقني والمهني وكذلك التخصصات الجامعية التي يطلبها سوق العمل المحلي والعالمي، بمزيد من الربط بين العرض والطلب بين الخريج وسوق العمل، وضمن ضوابط التوزيع الصحيح للقوى البشرية كماً ونوعاً ، وكذلك المحافظة على التميز للطالب، لاننا نعرف ان فتح التعليم الجامعي للجميع وجعله مجانيا كليا دون ضوابط، قد ينتج طلبة كسالى غير مهتمين! يعوزهم الطموح والمنافسة، نعم لمجانية التعليم الجامعي ضمن ضوابط تحقق المصالح الوطنية، ونعم لتوجهات مجانية التعليم الجامعي، ويجب ان يعمل الجميع بكل قوتهم لدعم هذا التوجه وتحقيق حلم كل اردني بمجانية التعليم الجامعي، فإذا وجدت الإرادة الصادقة والفاعلة والطموحة، والقرار السياسي الوطني فسيتحقق ذلك وبوقت قياسي، ويبقى الخيار مفتوحاً للمقتدرين لتدريس أبنائهم في الجامعات الخاصة والخارجية، وأعتقد أن على وزارة التعليم العالي ومجلسه التفكير جديا بمشروع وطني طموح لمجانية التعليم الجامعي، ليحل محل صناديق الدعم الحالية، يغطي الدراسة في الجامعات الوطنية عامة وخاصة، نرجو ذلك…ولا وألف لا لمزيد من الضحايا والمعاناة. … حمى الله الأردن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى