الملف الإخباري- منذ أيام طالعتنا الصحف بأقتراح لمعالي وزير تعليم عالي سابق نجل ونحترم، بأقتراح وضع ضريبة على البنزين لدعم التعليم العالي والتخلص من الموازي غير الدستوري..! ونشد على يده بالنية الحسنة ولا نوافقه بتحميل المواطن أي ضرائب جديده، ولكن يمكن أن يقتطع نصف ما تجنيه الدولة حالياً من ضرائب على المشتقات النفطية والتي تصل نصف أو أكثر من سعر بيع سعر صفيحة البنزين، وأعتقد أن التعليم ورفع شأنه يفرض ذلك، دون أي إضافات أو ضرائب جديدة، ولا يكون ذلك إلا أذا اقتنعت الحكومة بأولوية التعليم كرافعة حقيقية للتطور والنمو الإقتصادي والإجتماعي والعلمي، ولا ننسى دينار الجامعات الضريبة المنسية والتي تدر للخزينة أكثر من 480 مليون سنوياً إذا اسعفتنا المعلومة، والتي وضعت في الأصل لدعم الجامعات، ثم ضاعت في خزينة الدولة بقرار وزير، وتم نسيان الجامعات إلا من دعم رمزي، وبقيت معظم جامعاتنا ترزح تحت مديونية تراكمية تؤذن بانهيار بعضها إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وتعطل أي أفكار خلاقة وطموحة لتطوير التعليم العالي والمنافسة، ولن أذهب لنظرية المؤامره والتي طرحها البعض في وقت ما، لإيصال الجامعات للعجز والإفلاس ومن ثم خصخصتها..!.
ففي خضم المراجعة لوضع التعليم العالي في بلدنا، وإدراكنا جميعا ومن باب الحرص على القاعدة الكبيرة والنوعية التي نمتلكها في مجال التعليم العالي وطموحنا بالرقي به نحو الافضل وليس من باب جلد الذات او الانتقاص من قدراتنا، وليس من الحكمة ايضا ان ندفن رؤوسنا في الرمال وننتظر العاصفة، لدينا محددات ومشاكل وهنات وتراجع يجب ان نتحسسها ونعالجها وكل دول العالم لديها ذلك وبدرجات متفاوتة، وقديما قالوا الجبر قبل الكسر! ولا نلتفت الى من يدعي الكمال الفارغ من المضمون، معايير التقييم العالمية الرصينة للجامعات متاحة لمن يريد وفي السوق تصنيفات تشترى… ! وتتسابق عليها الإدارات المفلسة..!، التقدم يأتي بالعمل الدؤوب وبمعايير عالمية اصبحت متاحة ومعروفة لمن ينشد التقدم والتطور، ولنا ببعض التجارب المحلية والاقليمية خير دليل، فقد تقدمنا البعض مع اننا كنا السباقين وكوادرنا عملت وتعمل لديهم، سبقونا لانهم عملوا ومولوا وجندوا المختصين لما يجب عمله، ولم يستندوا الى نجاحات كرتونية وهمية يتحفنا بها بعض رؤساء الجامعات الذين إعتادوا التسويق الفارغ من المضمون..!.
والحديث عن مجانية التعليم يقودنا الى ما يسمى رأي الاقتصادي والتربوي وعلم اقتصاديات التعليم، فالتربوي يأخذ الراي المثالي بأن التعليم حق للجميع وهذا يحتاج ميزانية كبيرة جدا، اما الأقتصادي فيقول ان التعليم يجب ربطه بحاجات سوق العمل ويؤمن بمفهوم رأس المال البشري، ومبدأ الربح والخسارة في التعليم، حيث يعتبر بطالة المتعلم خسارة مادية على الدولة، ويؤمن بالمردود الذي يحققه المتعلم بعد تخرجه بصيغة مالية مقابل ما انفق عليه، وهو في البلدان الصناعية قصير المدة واما في بلداننا فالوضع مختلف نتيجة التخبط والعشوائية وتخريج أفواج كبيرة لسوق البطالة.
وبعد وقبل تصريح وزير التربية والتعليم العالي الأسبق منذ بضع سنوات الدكتور وليد المعاني انه “لا رفع للرسوم الجامعية، بل هناك توجه لزيادة المنح الى جانب مشروع طموح لجعل التعليم العالي مجانيا”والذي جاء خلال جلسة غير رسمية لمجلس النواب برئاسة المهندس عاطف الطراونة وحضور رؤساء لجان وكتل نيابية وعدد من الوزراء، وفعاليات شبابية (التحديات التي تواجه الشباب وسبل دعمهم وتمكينهم). ونشرته (بترا)، قبل تصريح الوزير وفي خضم الوضع الاقتصادي والإتجار بالتعليم من قبل البعض الى حد تجاوز كل المحددات الاكاديمية المقبولة، وإدراك قطاعات المجتمع والاهالي لكلفة التعليم الجامعي وإثقاله كاهل الاردنيين، ونحن نعرف ثقافة شعبنا وحبه للتعليم، وبيع الاهالي لآخر ما يملكون في سبيل تعليم ابنائهم، كانت المناداة بمجانية التعليم الجامعي على استحياء من قبل البعض، حتى ان الجهر بذلك كان من باب الترف الفكري!، اما وقد صرح به معالي الوزير فنشد على يده ونتأمل ان ينفذ هذا المشروع الطموح باسرع ما يمكن، لعدة اسباب منها: تخليص الإدارات الجامعية من الإنشغال بالتمويل والأمور المالية والرواتب وغيرها وتركيز الجهود نحو العملية الأكاديمية والتطور والبحث العلمي، وايضا التخفيف عن كاهل المواطنين وخاصة غير المقتدرين والغاء التمييز في الحصول على التعليم الجامعي وحصره بالقدرات وليس بالفئات المختلفة من المنح أو الإستثناءات او من يستطيع الدفع، نعم يمكن الوصول لمجانية التعليم الجامعي وهنالك بلدان عديدة تطبق ذلك من خلال مشروع حكومي اجتماعي يحقق التكافل بتمويل التعليم الجامعي من الحكومة والشعب والمؤسسات والقطاع الخاص، بحيث يتم دفع كلفة التعليم من خلال اقتطاع من الضرائب القائمة كما أسلفت او وضع ضريبة محددة على الجميع يخصص ريعها لتمويل التعليم الجامعي، وكما ذكرت فإن ضريبة دينار الجامعات موجودة وريعها يصل الى 480 مليون دينار اذا كانت تسعفني الذاكرة بما قرات سابقا، المهم ان يصبح تمويل التعليم الجامعي تكافلي اجتماعي لكل فعاليات المجتمع العامة والخاصة اضافة للدعم الخارجي من الدول والمؤسسات الدولية، بحيث يتم انشاء محفظة أو (صندوق وطني لتعليم الأجيال) يتم رفده بالمال بالطرق التي اسلفت وغيرها، وكذلك إستثمار موجوداته، ليصبح صندوق تعليم وطني حقيقي للأجيال، ويكون قادرا على الصرف على التعليم العالي في وطننا.
بحيث يتم منح التمويل للجامعات بناء على أسس مفاضلة بينها تعتمد مؤشرات نجاح بحيث لا يصبح التمويل تحصيل حاصل..! وهذه المجانية للتعليم العالي يجب ان يتفق عليها من خلال استراتيجية وطنية لتشجيع الانخراط في التعليم التقني والمهني وكذلك التخصصات الجامعية التي يطلبها سوق العمل المحلي والعالمي وضمن ضوابط للمحافظة على التميز للطالب والخريج، لاننا نعرف ان فتح التعليم الجامعي للجميع وجعله مجانيا كليا دون ضوابط، قد ينتج طلبة كسالى غير مهتمين! يعوزهم الطموح والمنافسة، وجامعات غير طموحة تعمل بشكل روتيني ولا تسعى للإبداع أو التميز المحلي والعالمي.
نعم لمجانية التعليم الجامعي ضمن ضوابط تحقق المصالح الوطنية، ونعم لتوجهات وزير التعليم العالي، ويجب ان يعمل الجميع بكل قوتهم لدعم هذا التوجه وتحقيق حلم كل اردني بمجانية التعليم الجامعي، فإذا وجدت الإرادة الصادقة والطموح والإدارة الفاعلة فسيتحقق ذلك وبوقت قياسي… نتأمل ذلك… حمى الله الأردن.
زر الذهاب إلى الأعلى