اخبار الاردن

ملحم يشارك في الندوة الخاصة بالموروث الشعبي الشفاهي الأردني

بمناسبة "مئوية الدولة الاردنية في جامعة اليرموك، واختيار مدينة أربد عاصمة الثقافة العربية لعام 2022م

الملف الإخباري- شارك الباحث والفنان التشكيلي د. مطلق أحمد ملحم بورقة بحث بعنوان “الموروث الشعبي الشفاهي في المجتمع الأردني”، في الندوة الخاصة التي اقامها كرسي المرحوم سمير الرفاعي في جامعة اليرموك/اربد صباح يوم الأثنين الموافق 29 تشرين الثاني 2021م. حيث قام بافتتاح الندوة أ. د. محمد العناقرة رئيس كرسي المرحوم سمير الرفاعي للدراسات الأردنية، وبحضور عدد من اساتذة الجامعات وطلاب الدراسات العليا والمعنين بالتراث الشفاهي الأردني.
وفي بداية الجلسة أن د. احمد الزعبي عن اللهجة الحورانية في الأردن مع شرح بعض مفرداتها وكيف انتشرت في بداية الندوة، وقدم الزعبي خلال الندوة ورقة بحثية بعنوان “اللهجة الحورانية انموذجاً” تحدث خلالها حول الإرث الثقافي الذي ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، بما يحويه من إرث مادي وغير مادي، مشيرا إلى أن التراث الشعبي يحافظ على الهوية الوطنية ويعمقها. كما تحدث عن حوران والتي تعني الحجارة البازلتية السوداء، وتمتد من ضواحي دمشق الجنوبية وحتى سيل الزرقاء مشيرا إلى أهمية وجود معجم خاص باللهجة الحورانية.
ثم تحدث الباحث د. مطلق ملحم: أودُ في بدايةِ كلمتي أن أعبرَ عن شكري وامتناني لجامعةِ اليرموك المنار العلمي والثقافي ولرئيس كرسي المرحوم سمير الرفاعي للدراسات الأردنية الاستاذ الدكتور محمد العناقرة، على اقامةِ هذا المهرجان التراثي المجيد لأردن الخير في حدثينِ عظيمين الا وهما ضمن احتفاليات مئوية تأسيس الدولة الأردنية، واختيار مدينة اربد عروس الشمال عاصمة الثقافةِ العربية لعام 2022م.

وأضاف الباحث ملحم : إن عنوانَ هذا المهرجان التراثي الموسوم بـ (الموروث الشعبي الشفاهي الأردني) على وجازتهِ وقلة الفاظه إلا أنه يحمل الكثير من المعاني العميقة والدلالات الدقيقة والقضايا الهامة، والتي أصبح طرحُها وبحُثها أمراً ملحاً وضرورياً لأمتنا العربية والإسلامية. حيث أكدت الرؤية المتميزة لجامعةِ اليرموك وغصنها المنير كرسي المرحوم سمير الرفاعي في احداثِ انجازات المعرفة الإنسانية المعاصرة، في تعزيزِ روح الطموح لدى الدارسين والباحثين في التراثِ الاردني الشفاهي غير المادي لتقديمِ مساهمات أصيلة ترفد هذه المعرفة وتطورها، خاصة ما يتعلق منها بواقعنا وثقافتنا ولغتنا، باعتبارها مفتاح النهضة العربية في تحفيزِ البحث وتنظيم الملتقيات والمؤتمرات العلمية وانتاج دراسات في مختلفِ مجالات العلوم الاجتماعية والانسانية والى حفظ الهوية والشخصية الوطنية، خاصة بعد أن وقع الأردن على الاتفاقية الدولية لصون التراث غير المادي واتفاقية حماية وتعزيز التنوع الثقافي لإبراز ثقافات الشعوب.

ان التاريخَ الشفوي يمد أجنحته إلى مختلفِ العلوم الأخرى من الجيولوجيا وحتى الموسيقى ويشكل رافداً مهما للحياةِ في الأردنِ، وما يتعلق بالتاريخِ الاجتماعي خاصة، أن “الروايةَ الشفوية تشمل جميع الأحداث التي لم تكتبْ والأمور التي سُجلت وبقيت في الادراجِ او السجلات”. خاصة في هذه الأيام التي تتراجع فيها الذاكرة ويطويها النسيان حيث أن دولاً كبرى بدأت تلجأ إلى الذاكرةِ الانسانية لصونِ تراثها وأرشفة الاحداث التاريخية في مسيرتها.
إن دورَ الهاشميين في الأردنِ الذين أحدثوا طفرة تعليمية بعد الحكم العثماني عندما كان التعليمُ مقتصراً على السادةِ الذين يوفدون أبناءهم إلى الكتاتيبِ ليتسلموا فيما بعد المهام العسكرية، حيث أن النظرةَ تعززت بعد تأسيس امارة شرق الأردن لحفظِ وصون التراث الاردني والشخصية الوطنية. وإن “التاريخَ له دور كبير في حياةِ المجتمع عندما يكتبْ من الذاكرة” إضافة لما هو مدون بالكتبِ التراثية.
التراث: هو كل ما خلفته (ورَثته) لنا الأجيال السالفة في مختلفِ الميادين المادية والفكرية والمعنوية، وهي ما يسمى بالثقافةِ المادية والثقافة الغير مادية، وأن حضارةَ أي شعب لا يمكنْ لها أن تقومَ بدونِ تراث، ويجب أن لا يعتمدْ أفرادها على ما تنتجه الحضارات الأخرى. فالتراث يحفظ كيان الأمة وبقاءها واستمرارها، والموروثات تعكس الاصالة وتحمل عبق الماضي ونكهة البوادي والارياف وذكريات الآباء والاجداد، ففيها صفات الكرم والشهامة والعمل.
للتراثِ عندَ الأردني خاصة والعربِيِ ِعامة، علائقُ كُبرى تُضفي عليه لا الثراءَ فحسب وإنما أيضاً السلطةَ والقداسة، حيثُ تشيرُ جميعُ القرائنُ إلى أنَ قضيةَ التراثِ ستظلُ أحدَ هواجسِنا الرئيسةِ في السنواتِ القادمةِ من هذا القرن، وإلى أنهائها، إنْ لمْ تُوضعْ بعد ذلك وضعاً صحيحاً، قد تصبحُ مصدرَ قلقٍ مقيمٍ وحيرةً دائمةً للأجيالِ التي ستتحدر من أصلابنا.
التراث هو كل ما ورثناه تاريخياً، والمورث هو بطبيعةِ الحال، الآباء والأجداد والأصول، وبكلمةٍ مجردة، الأمة التي نَحنُ امتداد طبيعي لها. بيد أن هذا التحديد عام لا يكفي للإنابةِ عن موضوعهِ، وقد تكون درجة التجريد أكبر إن نحن اخترنا استخدام لغة “الفينومينولوجيا” وقلنا مثلاً أنه وعي التاريخ وحضوره الشعوري في الكيانِ الفردي أو الجمعي. لكن تحديداً من هذا النمط ليس إلا نتيجة من نتائجِ إدراك التراث وتقمصه، وهو يقصر عن تعريفنا بطبيعةِ التراث، وللخروجِ من هذا المأزق ذي الحدين، حد تعريف بالماهيةِ، وهذا يعني أن علينا أن نجري عملية “احصاء” شامل لمادةِ التراث وعناصره، أي لكلِ ما ينضوي تحت مفهوم التراث. بيد أن عمليةَ كهذه لا بدْ أن يسبقها اتفاق ثابت حول قضية أساسية تتصل بطبيعة “المورث” أو “صانع التراث”، بحيثِ يمثل هذا الاتفاق “مواضعة” مبدئية، وهذه المواضعة تتمثل في ضرورةِ تأكيد القول أن التراثَ هو في كلِ الأحوال عمل أو إنجاز إنساني خالص. فنحن لا نستطيعْ أن نتكلمَ على (التراث) إلا حين نكون بصددِ مبدعات إنسانية، الإنسان فيها هو الصانع وهو السيد وهو المتمثل وهو المورث للآتي من بعدهِ، بتعبيرٍ آخر: لا تراثْ إلا ما هو عرضي إنساني، زماني، ولا مورث إلا ويكون عرضياً، إنسانياً، زمانياً، وهذا يعني أنه لا مدخل ذاتيا للأمورِ الإلهية في دائرةِ التراث.
أن صنعَ التراث وخاصة الموروث الشعبي في الأمثالِ لا يتوقفْ، فنحن على الدوامِ، وفي كلِ العصور نصنع عناصر تراثية جديدة ونورثها لمن يأتي من بعدنا، وموقفنا الطبيعي هو أننا في الوقتِ نفسه الذي نتلقى تراثاً فإننا نصنع تراثاً آخر جديداً يغني التراث الذي تلقيناه أو ورثناه، بحيثِ يصبح القول أن مهمتنا لا تنحصرْ فقط في تلقي التراث وإنما أيضاً، وربما بقدرٍ أكبر، في “إبداعِ التراث”.
والتراث متعدد فمنه التراث الشفاهي ويضم العديد منها: رواية الشعر الشفوي، والأغاني، والحكايات، والأمثال الشعبية، وغيرها من المواضيع ولنعرج قليلا لبعض العناوين الرئيسية في البحث: أولاً: الروايات والحكايات الشفاهية، ثانيا: رواية الشعر الشفاهي، ثالثا: الأغنية الفولكلورية، رابعا: الأمثال الشعبية الأردنية.

إن الامثالَ هي ذاكرة اجتماعية بتراكم الحقب واختلاف الأزمان، فهناك أمثال من قبلِ الإسلام مروراً بالأمويينِ والعباسيين والمغول والأتراك، ومن جغرافيات مختلفة، وكل من هذه الأزمان والجغرافيات تركت ظلالها على النصِ دون الدخول في خصائص المثل ومفهومه وألوانه وموضوعاته وبلاغاته وبناءاته ووظائفه. أن المثلَ هو نص، وحقل أدبي ينتمي للفنون الشعبية، وهو من أقدم الأشكال الأدبية، وأكثرها انتشاراً وارتباطاً بحياتنا اليومية، وفوق ذلك الأكثر تأثيراً وفاعلية، وهو يندرج في إطارِ الخطاب الذي يقوم على التواضعِ الاجتماعي بما تحمل من اتفاقاتِ وغيرها. لافتاُ النظر إلى أن الفرقَ بين النص والخطاب أن الأخيرَ صفته التداولية، وهنا تكمن أهمية المثل في تغلغلهِ بالكلامِ اليومي، وارتباطه بحياةِ الإنسان منذ ولادته وحتى مماته، وقد يدخل المثل في كثيرٍ من مناحي الحياة كالبيع والشراء، والزواج والطلاق، والجمال والقبح، والكره والمحبة.
إن قوةَ تأثير المثل الشعبي تأتي من تعددِ الدوافع المرجعية التي صاغت النص من تعبيرهِ عن الوجدانِ بما تأسس له في خطاباتٍ أخرى، بمعنى أن المثلَ ليس نصاً أدبيا يقوم على الإبداعِ الفردي، بل هو نتاج نصوص وخطابات أخرى، ومنها الحكاية، الأمثال الفصيحة، الأحداث، الشعر، النصوص الدينية، والمثل ليس تأليفاً، بل هو نتاج الثقافة الشفاهية التي ترتبط بقيم القبيلة والمجتمع الرعوي وغيره، وهو موافقة الحالة والمقام بالمقالِ المختزل، ليعكسِ الثقافة المسيطرة ويكشف عن النزعاتِ السائدة في مجملِ المثل، وفي ظلِ الثقافة الشفاهية بات المثل الذي يتناول موضوع المرأة يشكل تشريعاً لهيمنةِ سلطوية، ويكفي أن يقولَ أي شخص مثل ما… قال المثل: ليقبل الجميع على الكلامِ دون نقاش أو اعتراض، وهو ما يمكن أن يقالَ عنها بأنها خطابات (قهرية/ جبرية)، تضارع المسلمات مبينا أنه في موضوعِ المرأة.
واختتم ملحم محاضرته بقوله: على الرغمِ من وجودِ عدد من الدراساتِ التي نشطت حديثاً لإلقاءِ الضوء على الموروثِ الشعبي الأردني في الأمثالِ، فإن معظمها قد شغل بتتبعِ السياقات الاجتماعية التي أفرزتها، ويجمع نصوص الأمثال حول تلك السياقات، دون محاولة سرد مضمونها الفكري العام بهدفِ التقاطع مع حياتنا المعاصرة، ودون محاولة ربطها بالأمثالِ الشعبية الأردنية القديمة. وقد قدم توصية بأن يكون لدى الجامعات الأردنية مادة أساسية في تاريخ الاردن يدرس من خلالها ” تاريخ الموروث الشعبي الشفاهي الأردني” بكل أنواعه.

وفي ظلِ الثقافة الجماهيرية المعاصرة، يصبح مبدع المثل، أو الرواية أو الحكاية، أو الشعر، أو الأغنية الفولكلورية الشفاهية، هو مؤديه الذي يتكئ على التراثِ الشفاهي الأولي في عملهِ، لأن إعادةَ توزيع هذا الموروث الشفاهي ألصق بالنزعةِ الفردية (الإبداع الشخصي) وسط مجتمع طغت عليه الوسائط المعرفية، إن المحافظةَ على الموروثِ الشعبي الشفاهي الأردني والعربي واجب وطني ومسؤولية جماعية مشتركة يٌجمع عليها جميع أفراد المجتمع والجهات ذات العلاقة، وتعطي الفرصة للتعرفِ على مكنوناتِ الوطن ومقدراته الزاخرة بالثقافةِ والحضارات السابقة التي تنتمي إلى فكرِ الإنسان وتدفعه للعملِ الدؤوب من أجلِ الوطن والأمة.
وعلينا أن لا ننسى أهمية التراث ذلك الموروث الفكري والثقافي الذي ورثه الجيل المعاصر عن الأجيالِ الماضية التي تنتسب إلى ثقافتهِ القومية، وإن من حقِ الشباب أن يتعرفَ على إنجازاتِ أمته وماضيها الفكري، مثلما من واجبهِ أن يتعرفَ على فكرها المعاصر الذي يقلب أمام أذهان الشباب التجارب العالمية والفكر العالمي الذي يتناول الإنسان واقعاً ومستقبلاً، وعلى هذا الأساس فإن واجبَ الكبار أن يساعدوا الشباب على إتقانِ التعامل مع معطيات التراث وفحواه، في بناءِ موقفه تجاه القضايا المعاصرة، وفي تكوينِ نظرته نحو مستقبله ومستقبل مجتمعه ودوره في الوصولِ إلى مستقبلٍ منشود، وأن لا يشكلْ كذلك تشبثاً متصلباً لأن الشبابَ قوة فاعلة اجتماعياً في وضعِ ثقافي خاص.
وأضاف ملحم بقوله: أتمنى أن أكونَ قد وفقت في نقلِ وتحليل الجزء القليل من الموروثِ الشعبي الشفاهي الاردني، وهو إرث هام يمنح الطمأنينة لحرصِ الأجيال عليها وصيانتها كون الأردن يزخر بالموروثِ الشعبي والتراثي سواء بالمواقعِ والمعالم السياحية الدينية منها والحضارية والتراثية بهدفِ إيصال مفهومها الشعبي لأكثرِ عدد من الناسِ وتوثيقها حفاظاً عليها من الاندثارِ والنسيان على أرففِ المكتبات تغطيها غبرة الأيام مع مرور الزمن، وفي الختامِ نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لجعلِ هذا الجهد لبُنة من لبُناتِ الأساس الذي سيستند إليه الكثيرون من ذوي الاختصاص في حياتهمِ العملية. شاكراَ ومقدراً انصاتكم الودود وبعمق تقبلكم الاستماع لهذهِ الورقة.

وفي نهاية الندوة تم الاجابة على الاسئلة من قبل الحضور، ثم بادر ملحم بتوقيع كتابه (روائع الامثال في بلاد الشام من التراث العربي/ الأردن)، وقد أثنى الجميع على نجاح هذه الندوة وطالبوا الاستمرار بعقد هذه الندوات لتعريف المجتمع الاردني خاصة والعربي عامة بالموروث الشفاهي الاردني بكافة انواعه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى