الملف الإخباري- أكتب لكم أنا أ.د. قاسم البري، مساعد الرئيس في جامعة آل البيت، وقدر لي الله أن أكون من اصحاب الحاجات الخاصة، ولم تمنعني هذه الإعاقة من أن أكون عصامياً، وأتجاوز كل معيقات الحياة وشظف العيش، فكانت إعاقتي طفلي المدلل أداعبها واتقبلها بكل إيمان، وعملت وسهرت وتجاوزت كل المعيقات إلى أن يسر الله لي وبعون من الهاشميين قادة الأمة أن أدخل باب جامعة آل البيت وأتدرج في الرتب الأكاديمية إلى أن حصلت على أعلاها… هي قصة عمر فيها من الفرح القليل ومن المعاناة الكثير، لكنه العزم الذي سكن نفسي ووجداني… وكنت عبر مسيرتي محط إهتمام وعناية جلالة الملك وديوانه العامر ديوان الأردنيين الشرفاء.
قبل أيام شرفني مولاي جلالة الملك بسفيره ومحط ثقته رئيس ديوانه العامر معالي يوسف العيسوي، الذي زارني ومجموعة من الوزراء والمسؤولين في بيتي، مطمئناً وناقلاً سلام وتحية جلالة الملك لي،
ولكم أن تتخيلوا غبطتي وسروري بهذه الزيارة التي تنم عن قيم العطاء والإنسانية والوطنية ومتابعة الملك من خلال رئيس الديوان لأبناء الوطن، هذه الزيارة أعطتني جرعة كبيرة من الدعم وعززت ولاءً مزروعا فينا لا ينضب. كانت زيارتك لي ابا حسن مثلما تحب أن نناديك؛ محملا بسلام أبا الحسين؛ القائد الفذ والأب الحنون، ورمز الإنسانية والعطاء، ليتفقد من خلال شخصكم الكريم، رجل خضع لأمر الله وقدره ورضي بما قدره الله له من إعاقة دائمة، يداعبها وكأنها لعبة في يد طفل صغير، يتقبلها ويجعلها عنوانا للمثابرة والعطاء بدل أن تكون إعاقة تجعل مني إنسانا سلبياً يعتمد على الآخرين، لا بل تحداها محدثاً نفسه بسره: في ظل أبا الحسين لا أخاف من مرافقتك لي.
وتأتي جائحة كورونا وتجتاح أركاني، وتجعل مني جسماً ممددا على السرير، بلا حول ولا قوة يصارع الموت وتحفه الأدوية وأجهزة التنفس ومجموعات الإطباء والممرضين من كل جانب ؛ وكنت مؤمنا صابراً محتسباً بأن الأعمار بيد الله؛ وكنت الحظ بعيني همس الأطباء في أذآن من رافقني في مستشفى الملك المؤسس: إن عاش والدكم لن يموت أحد؛ كنت أرى نظرات الإشفاق والحزن في عيونهم، وكنت الحظ الدموع تنساب من عيونهم على استحياء كي لا أراها، وكان الجميع ينتظر لحظة النهاية..! وتحدث المفاجئة؛ طلبت ورقة وقلم وكتبت على الورقة؛ لأنني فقدت صوتي بسبب الكورونا التي أخذت مني مأخذها وكتبت لأبني: اتصل بمعالي رئيس الديوان أبا حسن وهاتفه موجود في ذاكرة هاتفي: وخرج ابني خارج الغرفة واتصل بمعالي يوسف العيسوي وأخبره بأن الأمر يتطلب حقن غير موجودة في مستشفى الملك المؤسس، وهذه الحقن أو الأبر تعني بعد الله الحياة لوالدي كما أشار الأطباء: وما هي إلا سويعات؛ وكانت الحقن بيد الأطباء لتبعث نبض الحياة في جسدي الذي كان يترنح ويتسلل إليه سفر الرحيل، وكان خبر نعي البري حاضرا نظراً لحالتي الحرجة… وكل من حولي يترقب ساعة الفراق، عادت الأنفاس تتصاعد بالأمل، وبدأت تدب في أطرافي الحياة من جديد، والله يحيي العظام وهي رميم. واتصل العيسوي مطمئناً وطلب أن يسمع صوتي: وقال لي بعثنا لك كل المستلزمات الطبية من سرير وأجهزة أكسجين وغيره لتسبقني إلى منزلي قبل الخروج، مكثت مدة شهرين في مستشفى الملك المؤسس وأنا اصارع الموت طلباً للحياة، وفي كل يوم كان معاليه يتابع حالتي ووضعي الصحي، حتى في ليلة وفاة ابنه حاتم رحمه الله تعالى تجاوز حزنه بوفاة فلذة كبده واتصل بي مطمئناً.
هذا هو العيسوي رئيس ديوان الملك والوطن يا بنتي….يا ولدي….يا أبناء وطني… تعلموا من الهاشميين واعلموا انهم بيت المجد والعطاء… وعلى رأسهم مليكنا المفدى.
ومنذ أيام كانت الفرحة الكبرى لي ولكل من عرفني، وكان يوما ليس كالأيام، سأذكره ما حييت، عندما شرفني معالي ابا حسن بزيارتي في بيتي ببلدة المنصوره؛ مهنئا بالسلامة، وحاملا سلام جلالة الملك المفدى؛ نعم هذه هي سجايا الهاشميين، وهذا أنت يا أبا حسن محط ثقة القائد، غمرتموني بلطفكم وحبكم وتعاطفكم وقدمتم لي كل ما يلزم في محنتي ومرضي، فكان كل هذا أنفاساً جديدة وهبني الله بها، بأياديكم البيضاء ونبع العطاء الساكن فيكم.
ما أجمل ذلك اليوم…وما أجمل أن أوفيكم حقكم ما استطعت بهذه الكلمات التي تبقى عاجزة عن وصف مشاعري وفخري بمليكي ووطني وأبناءه المخلصين أمثال الرجل المحب الودود ابو حسن،
هذه أسطر من حكاية العشق والحب والولاء… بين مليكنا وأبناء شعبه… ورسوله إلينا أبا حسن.
وتهتف الحناجر من أعماق القلوب؛ عاش الملك وعاش العرش الهاشمي وعاش الوطن بظل حضرة صاحب الجلالة مليكنا المفدى عبدالله الثاني ابن الحسين.
هذه بعض مشاعري أزجيها لجلال وقفتكم معي… بعضاً من حب… وكثيرا من الوفاء… وتبقى صغيرة لا توفيكم حقكم… من ابنكم المخلص ما دامت الحياة…:
الأستاذ الدكتور قاسم البري.
زر الذهاب إلى الأعلى