الملف الإخباري- صباح هذا اليوم يوم المعلم، وانا اسمع وارقب احتفال المدرسة المقابلة لسكني بمعلميهم ومعلماتهم… والطلبة الصغار منتشين ويرددون اسماء معلميهم… فرحين بهم… وتقرا في حركاتهم وكلماتهم وبرائتهم محبة وروح طفولية صادقة تقدر المعلم وتحترمه، وأثار الموقف شجوني وقصة المعلم… التي تبدأ ولا تنتهي بذلاً وعطاءً ونكرانٍ للذات.
في كل عام وبمناسبة يوم المعلم الذي يصادف اليوم، أعود لما كتبت من قبل، لأن قلمي يعجز أن يسطر ويعبر عن قيمة المعلم كما ينبغي… فأعيد متواضعا ما كتبت… .واستذكر مع نفسي كلمات شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا…. كاد المعلم أن يكون رسولا… .أعلمت أشرف أو أجل من الذى… يبنى وينشئ أنفسا وعقولا.
في يوم المعلم العالمي… يحتفل العالم بالمعلم على طريقته… ونحتفل نحن به على طريقتنا!
لنعرف ما هو المعلم وما قيمته، دعونا نعود لأيامنا الأولى في المدرسة، اول مظهر رسمي واجهناه في اول خروج من أجواء الأسرة، كنا نخافه ونحبه ! نعم عندما كان يمر أي معلمنا ونحن نلعب في الحارات وخارج وقت الدوام، يتوقف اللعب، وتسودنا مشاعر مختلطة فطرية، ننفذها دون ان يعلمنا إياها أحد، مشاعر من الأحترام والخوف والرهبه والهيبة، يتوقف اللعب والكلام وكأن موكباً مهيباً يمر امامنا، المعلم اول من خط في عقولنا وقلوبنا، كيف نحب الوطن والناس وكيف نحترم الآخر، وكيف نرسم طريق المستقبل، أما الخوف…فهو خوف محبب للمعلم مقروناً بالوقار والهيبة، حدثني قريب لي وهو مهندس ومدير بكبرى شركات الإتصالات؛ انه في طفولته،( اعطاه والده تعريفه أي خمس فلسات، وذهب للدكان لشراء الملبس اي الحلوى، فوجد معلمه جالسا عند (الدكنجي)، فارتبك وبالحال خاطب الدكنجي اعطيني قلم!) موقف بسيط ولكن نقرأ فيه الكثير مما لا يقرأون!.
وفيما جرى ويجري على ساحتنا الأردنية، أقول… المعلم ليس علاوة تضاف على الراتب،ولا إمتيازات وحقوق وواجبات… وواسطات ومفاوضات وتنازلات، المعلم ليس موظف عادي يجلس خلف مكتبه وأوراقه، المعلم ليس معلم فلافل ولا معلم شاورما مع كل الإحترام لكل المهن، المعلم ليس موظفاً كسولاً نلاحقه بالعقوبات، المعلم ليس باحث عن منصب او ولاية، فمهنته الوحيدة التي لا تتغير يولد معلماً ويقضي معلماً، إذاً من هو المعلم… .؟ المعلم ايقونة تعتلي رؤوسنا جميعا، شخص قدمنا على نفسه، انسان قدم معرفته وكل ما يمتلك لينير لنا الطريق، المعلم زودنا بكل ادوات النجاح، ومن فشل منا فتقصيرا منه، المعلم قيمةٌ تمثلني وتمثلك وتمثل الوطن، اتحدى اي منا مهما علت رتبته ومنصبه أن يدخل عليه معلمه ويبقى جالسا على كرسية! ما زلت رغم العمر اذكر كل من علمني وفي كل المراحل واحسبكم كذلك، اتذكر الأستاذ نايف المومني رحمه الله معلمي بالصف الأول وأناقته وشخصيته و(الزنار الجلد الذي كان يدغدغنا به ولا اقول يضربنا) فقط حين كبرنا ادركنا من هو الأستاذ نايف… و طلال ومحمد ومصطفى وموسى والقائمة تطول ، نعم فضلُ المعلم علينا يتغلغل في عروقنا ويجري في دمنا، المعلم الحق هو ذات المعلم ايام الستينيات والسبعينيات وايامنا… ومن شذ لا يقاس عليه، لا اعرف كيف تطاوعه نفسه من اضمر كسرا او سوءً بالمعلم، المعلم هو نحن… .تطورنا وكبرنا واخذنا المناصب والرواتب والسيارات… .وبقي هو ذات الشخص وذات الزهد والبساطة… يعيش على كرامته ويتغذى عليها، يعمل اكثر من عمل ليلبي مطالب عائلته، يركب سيارة قابلة للعطل كل ذات مطب، لا تغريه مطامع الحياة التي تغرينا… يلبس ما تيسر… يثور لكرامته، ونذكر ذلك عندما انتقد احدهم واعتقد انه وزير… لباسهم!
المعلم هو السلم الذي صعدنا عليه جميعا، ومن يجرؤ ان يقول غير ذلك..! صانع الإنسان صانع النفوس… في يومك أيها المعلم وانا معلم جامعي إلا أنني ما زلت استرجع نفسي كطالب امامم معلمي، وأجدني مسكوناً بحب معلمي واحترامه… .وعندما التقي من بقي منهم على قيد الحياة، استرجع طفولتي واخضع لوقاره وهيبته واتلعثم ويخونني التعبير امام جلال رسالته، واحسب اننا جميعا تربينا على ذلك،
وتأملوا معي ما قاله بعض المشاهير والمفكرين عن المعلم و قيمته :
– سقراط :
ينبغي للعالم أن يخاطب الجاهل مخاطبة الطبيب للمريض .
– أحمد أمين :
المعلم ناسك انقطع لخدمة العلم كما انقطع الناسك لخدمة الدين .
– أحمد شوقي :
قم للمعلم و فِّه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون وسولا .
– بوب تالبرت :
المعلم الموهوب مكلف ، لكن المعلم السئ أكثر كلفة .
– وليام برنس :
تقدير المعلم هي أغلى جائزة يطمح إليها .
– شيشرون :
المعرفة فن ، و لكن التعليم فن قائم بذاته .
– جبران خليل جبران :
تقوم الاوطان على كاهل ثلاثة : فلاح يغذيه ، جندي يحميه ، و معلم يربيه .
– الاسكندر المقدوني :
أنا مدين لوالدي لأنه أمّن لي الحياة و مدين لمعلمي لأنه أمّن لي الحياة الجديدة .
– كامل درويش :
ما أشرقت في الكون أي حضارة إلا و كانت من ضياء معلم .
– توماس كاروترس :
المعلم هو الشخص الذي يجعلك لا تحتاج إليه تدريجياً .
– فيلوكسين :
إن معلمينا هم الذين يعطوننا الطريقة لنحيا حياة صالحة .
-أحمد رفيق المهدوي:
فما قدروا حق المعلم قدره *** ومن حقه، كالوالدين ، يعظم
– ليوناردو دافنشي :
من لا يتفوق على معلمه يكن تلميذاً تافهاً .
– سي إس لويس :
مهمة المعلم الحديث ليست أن يُخلي الأدغال و يمهدها ، بل أن يروي الصحاري .
– بيل غيتس :
التكنولوجيا هي مجرد أداة فيما يخص تحفيز الأطفال و جعلهم يعملون معاً فإن المعلم هو الأهم .
– شبنجلر :
من معلمي تعلمت الكثير و من زملائي تعلمت أكثر و من تلاميذي تعلمت أكثر و أكثر.
ولأن المعلم مهما طال به الزمن والخبرة يبقى معلما، ولا يطمح لأكثر من القيمة والتقدير من الجميع، كما قال وليام برنس : تقدير المعلم هي أغلى جائزة يطمح إليها ، ولنا بتجربة سنغافوره وباني نهضتها الحديثة لي كوان يو والذي قال: أنا لم أقم بمعجزة في سنغفورة , أنا فقط قمت بواجبي نحو وطني , فخصصت موارد الدولة للتعليم, وغيرت مكانة المعلمين من طبقة بائسة إلى أرقى طبقة في سنغافورة , فالمعلم هو من صنع المعجزة , هو من أنتج جيلاً متواضعاً يحب العلم والأخلاق , بعد أن كنا شعباً يبصق ويشتم بعضه في الشوارع، هذا ما نحتاجه نعم لنصحح مسيرتنا ونطور امتنا وبلدنا… المعلم، لا تقولوا له لا، لا تبخلوا عليه بالمال، قدروه حق تقديره ليس لذاته فقط، ولكن لان المعلمين هم بناة الاوطان، وملاذ الحكم ذات نكوص او هزيمة او ردة، هم ابسط من ان تناكفوهم، صبروا وعلمونا الصبر وان الأوطان عطاء…فهل تتراجع حكومتنا… وتعيد لهم نقابتهم وهيبتهم وتعتذر لهم عما فات..! نعم إنهم يستحقون ذلك… فهم شرف الأمة وبناة المجد والرفعة للمجتمع والوطن.
في يومكم…أيها المعلمون… نعتذر لكم، لاننا لم نجعل منكم ايقونتنا بعد… .حمى الله الأردن.
زر الذهاب إلى الأعلى