الملف الإخباري- شارك الباحث الأردني د. مطلق احمد ملحم في مهرجان التراث الشعيي (أهازيج المسحراتي) في شهر رمضان الكريم بورقة بحث بعنوان ” تراثيات بنكهة روحانية.. عادات وتقاليد الشعوب المسلمة.. المسحراتي في الأردن نموذجا) الذي أقامه المركز الخليجي للمعلومات والوثائق ومقره دولة الكويت مساء يوم الجمعة الماضي، وكان المهرجان حافلاً بكلِ مقوماته الثقافية والمعرفية وبمشاركة نخبة من ذوي الاختصاص في موضوعٍ مهم ألا وهو مهنة “المسحراتي”.
وقال الباحث مطلق ملحم: شهر رمضان نزلت فيه الكتب السماوية على الأنبياء عليهم السلام من أجل هداية البشر، ونقلهم من الظلمات إلى النور ففي أول ليلة منه نزلت صحف إبراهيم عليه السلام، والتوراة لست مضين منه، والإنجيل لثلاث عشرة ليلة خلت منه، والزبور لثماني عشرة منه، وأما القران الكريم فقد أنزل في ليلة القدر لذا ينبغي الاستفادة من هذا الشهر في التبليغ وارشاد الناس وهدايتهم إلى معالم الإسلام واحكامه.
يستقبل المسلمون في كافةِ بقاع الارض شهر رمضان المبارك استقبالاً خاصاً نظراً لكونهِ محطة دينية روحية يتزود منه المؤمنون بالزادِ الروحي والطاقة الايمانية فينهلون من معينِ القرآن الكريم ويكثرون التلاوة والذكر ويعمرون بيوت الله بالصلاةِ والقيام والدعاء. وتكاد تكون هذه الصورة الايمانية الروحية واحدة في كلِ بقعة من وطننا العربي الكبير.. غير ان لشهرَ رمضان عادات وتقاليد حياتية خاصة تميزه عن غيرهِ.. كما ان هذه العادات الحياتية تختلف من دولةٍ إلى اخرى وربما قد تختلف الصورة داخل القطر الواحد. والملاحظ ان هناكَ بعض العادات والتقاليد توشك على الاندثارِ لوجودِ بدائل وفرتها التكنولوجيا كالمسحراتي مثلاً الذي بدأ دوره يتراجع.. بينما استطاع الكثير من هذهِ العادات الصمود والبقاء ومقاومة كل المظاهر الدخيلة.
مهنة “المسحراتي” من المظاهرِ الخالدة للاحتفالِ بشهرِ رمضان؛ ويميل البعض منا خصوصًا الكبار الذين عايشوا مظاهر الماضي التراثية الجميلة التي لا يمكنْ أن تنسى؛ أن يتذكروا العديد من تلكِ المظاهر والعادات؛ التي كانت سائدة خلال شهر رمضان المبارك؛ بأيامهِ المشبعة بالإيمانِ وروحانيته وقدسيته.
مع حلول شهر رمضان المبارك، ننتظر بشكلٍ يومي مرور الطبّال أو “المسحر” من تحتِ الشرفة حاملاً بيده طبلته الصغيرة التي يستخدمها لإيقاظِ الناس وتناول وجبة السحور قبل أذان الفجر، ثم يأتي صبيحة كل عيد ليأخذ “العيدية”، وينتظره الأطفال بشكل يومي ليشاهدوه ويستمعون للأناشيدِ التي يرددها قبل مطلع الفجر.
“المسحراتي” مهنة بدأت مع جيل العظماء، إلا أن تغيرَ حالها مع مرور العصور؛ وأصبحت مجرد ذكريات، والبعض الآخر تعرف على “المسحراتي” عبر الأغاني التي تعلن قدوم “شهر رمضان” ولارتباط الكثير من المواطنين “بالمسحراتي” قاموا بإعداد وتقديم فيديو للتعريفِ بمهنةِ “المسحراتي” التي كانت تبعث البهجة في نفسِ الصائم.
ما إن ينتصفَ الليل في العاصمة الأردنيةِ (عمان) والمدن والقرى والأرياف، حتى يتجهز “المسحراتي” للبدء بعمله في إيقاظِ الناس لتناولِ وجبة السحور، استعداداً لصيامِ يوم رمضاني جديد، يردد الأدعية والمدائح النبوية، التي تدعو النائمين للاستيقاظِ وذكر الله. با نايم وحد الدايم .. قوموا على سحوركم .. اجا رمضان يزوركم.. تسحروا فإن في السحور بركة،
ويضيف ملحم: بهذهِ العبارات يبدأ المسحر مشواره الليلي في شهرِ رمضان المبارك من قبلِ الفجر وحتى الأذان الأول. تشبه شخصية المسحر الفنان الذي يجود علينا بعباراتهِ وصوته الشجي ويتجول في الحاراتِ والأزقة مضيفاً جواً رمضانياً لأن السحور سنة نبوية بعد أن هددت التكنولوجيا هذه الإرث الجميل.
وفي الأردنِ لا تزالْ عادة وجود المسحر منذ القدم حيث كان يشغلُ هذه المهنة شخص من كبارِ السن بعد اختياره من قبلِ وجهاء المنطقة وأئمة المساجد أما الآن أخذ شباب على عاتقهم إيقاظ الناس للسحورِ كنوع من التطوعِ. يستخدم المسحر الطبل الذي يصل صوته لأبعدِ مكان، وفي نهاية الشهر الفضيل يقدم الصائمون زكاة الفطر للمسحرِ كنوع من المكافأة على إيقاظهم. ويعتبر وجود المسحر عادة مشتركة بين الدول الإسلامية وعادة ما يرتدي ثياباً خاصة وطربوشاً، يحمل بيدهِ طبلاً وفي بعضِ الدول فانوساً لإنارةِ الطرق المظلمة، يقف أمام البيت ينادي على أهلهِ.
وفي ليالي شهر رمضان، يجوب المسحراتي ومرافقوه شوارع عمان العاصمة الأردنية من أجلِ إيقاظ الناس قبل الفجر لتناولِ السحور. وقال رجل يعمل مسحراتي لتلفزيون رويترز، إن المسحراتي يأتي كل سنة خصيصاً لشهرِ رمضان وكل الأطفال الصغار يفرحون لقدومهِ… ومن الاهازيج التي يقولها المسحراتي:
اصحى يا نايم .. وحد الدايم … وقول نويت.. بكره ان حييت.. الشهر صايم .. والفجر قايم.. اصحى يا نايم .. وحد الرزاق .. رمضان كريم.. ‘يا نايم وحد الدايم… يـا غافي وحد الله … يا نايم وحد مولاك للي خلقك ما بنساك ….. قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزوركم’.
وإلى جانبِ الطقوس التقليدية مثل المسحراتي، يحيي الأردنيون شهر رمضان بتلاوة القرآن الكريم، وصلة الرحم، والتكافل الاجتماعي، ومساعدة الفقراء والمساكين واليتامى، كما بتناولِ أطعمة وحلويات تقليدية يزيد الإقبال عليها في هذا الشهر مثل القطايف والكنافة والهريسة ولقمة القاضي (العوامة) .. الخ.
زر الذهاب إلى الأعلى