مقالات

التعليم ما بعد الحرب على غزة … د. علاء خلف المخزومي مدير مركز التعلّم الإلكتروني ومصادر التعليم المفتوحة/ جامعة اليرموك

الملف الإخباري- منذ اليوم الأول للعدوان الغاشم الواقع على أهلنا في غزة وأنظارنا تتجه نحو المأساة الإنسانية ومحاولة تقديم ما يمكن من مساعدات إغاثية ودوائية، وعلى أهمية ذلك فإنني اليوم كأكاديمي أنظر إلى غزة وقد فقدت الركن الأساس في التنمية والبناء وهو ركن التعليم، حيث أصبحت مدارسها معطلة بالكامل بسبب القصف اليومي والظروف المعيشية الصعبة، في الوقت ذاته لا يمكن البحث عن أي مصدر بديل للتعلم، وهنا أقصد محاولة الحفاظ على استمرارية تعلم أبناء غزة من خلال مصادر التعلم المفتوحة التي يستحيل أن تعمل في ظل انقطاع الكهرباء والاتصال.

وفي خضّم متابعتنا لهذه الأحداث الدامية، والإجرام الصهيوني، تواصل معي أحد الزملاء يطلب مني الإذن أن يعطي رقم هاتفي لأكاديمي فلسطيني في جامعة فلسطينية في الضفة الغربية حباً منه في توسيع مداركه في تصميم المحتوى التعلمي رقمياً وتفعيل منصات التعلم الإلكتروني بالطرق المثلى، فما كان مني إلا أن رددت برسالة قصيرة: تكرم انت، ويكرم هو، وتكرم فلسطين! ولست أرى أي أكاديمي أردني يرد بأقل من هذا الرد في مثل هذا الموقف، ذلك لشعورنا الأصيل المتجذّر في أعماقنا أننا كأردنيين نقتسم الخبز والزاد والجرح مع أشقائنا الفلسطينيين، وأن الأردن رئة فلسطين ورافدها في قواسم مشتركة ضاربة في عمق التاريخ والمستقبل والمصير المشترك.

لقد زرعت قيادتنا الهاشمية الحكيمة فينا حُب العمل من أجل فلسطين، فقد أكد جلالة الملك عبدالله الثاني مراراً وتكراراً في المحافل الدولية على تقديم التمويل المستدام للأنروا (UNRWA) وهو ما يعكس اهتمام جلالته بتوفير الحقوق الأساسية للاجئين الفلسطينيين ومنها التعليم.

ولعل الحديث عن التعلم في مثل أوضاع غزة الحالية أمر أقل أولوية من غيره من الحاجات الأساسية وفقاً لهرم ماسلو (Maslow) الذي يؤطر من خلاله الحاجات الإنسانية الأساسية، لكننا يجب أن نفكر فيما يمكن فعله من تعاون مشترك بين الأكاديميين الأردنيين والفلسطينيين في صناعة واقع تعليمي يعتمد على التكنولوجيا يتم العمل عليه في مرحلة قادمة تكون قد وضعت فيها الحرب أوزارها ورجع الاحتلال عن غله في قصفه العنيف.

المرحلة القادمة ستشهد حاجة ملحة في استمرارية التعليم لطلبتنا في المراحل الأساسية والثانوية والجامعية، وعودتهم لاكتساب المعرفة بجميع أشكالها، ولا بد من التفكير والتخطيط لوضع استراتيجيات تضمن استمرار التعليم في جل الظروف إبان وقف إطلاق النار، وألا ننتظر إعادة البناء فترات طويلة حتى يتسنى لنا العودة إلى الظروف الطبيعية.

فبالإمكان بناء منظومة تعليمية مفتوحة تستمر في عملها رغم الظروف، بحيث تعتمد في عملها على خوادم عدة منتشرة في مؤسسات وجامعات مختلفة، وتبنى عليها مساقات تعليمية شاملة مفتوحة (Massive Open Online Courses MOOCs)، نضمن من خلالها الحد الأدنى اللازم لاستمرارية التعليم الأساسي والثانوي والجامعي. وهذا أمر بحاجة للعمل على مشاريع تنموية مستدامة مشتركة تعمل فيها المؤسسات التعليمية الأردنية والفلسطينية على بناء واقع تعليمي إلكتروني مستقبلي يحاكي حاجات القرن الحادي والعشرين، ويردم الهوة والفاقد التعليمي المتأتي عن كوارث الحروب والجوائح.

وختاماً لا يفوتني أن أستذكر قولاً سابقاً لجلالة الملكة رانيا العبد الله أن التعليم جزءٌ لا يتجزأ من الصُمود الفلسطيني، ويجب أن نمكّن هذا الصمود بكل الوسائل المُمكنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى