مقالات

توجيه الملك نحو التعليم المهني… بين الواقع والمأمول..! د. مفضي المومني

الملف الاخباري : وجه الملك في آخر لقاء يوم الاربعاء الماضي لتوسيع التعليم المهني في الجامعات…واجزم أن الملك يقصد التعليم التقني والتطبيقي لمستوى الدبلوم المتوسط والمهني للمرحلة الثانوية….
ومن باب التخصص التعليم المهني يكون في المرحلة الثانوية من خلال وزارة التربية والمدارس والمراكز المهنية ومزودي التعليم المهني في القطاعين العام والخاص ويفضي إلى شهادة وعمالة مهنية مدربة لسوق العمل أو مواصلة التعليم العالي؛ لإعداد كوادر مهنية تشكل قاعدة هرم القوى العاملة… اما التعليم التقني فيكون في مرحلة التعليم العالي بعد المرحلة الثانوية ويفضي الى درجة علمية مهنية، دبلوم تقني أو فني، ويليه التعليم المتخصص الهندسي او التطبيقي لدرجة البكالوريوس.
ومن خلال ما قرأت في الخبر… الملك في واد والمسؤلون الحكوميون في واد…. الملك يتحدث عن التعليم المهني وإنشاء المدارس والمراكز المهنيةوضمنياً يتحدث عن التعليم التقني…وتوسيعه وضمان جودته ونوعيته … من خلال فتح ابواب الجامعات للتعليم التقني و
والمسؤولون في تعليمنا العالي يجترون الحديث عن التعليم الجامعي وأسس القبول التي اصبحت بطولات وزارية تورث من وزير لآخر دون الوصول لحل لدولة تدخل المئوية الثانية ولا تمتلك تشريعات ثابتة ومؤسسية تبني عليها وتنتقل للأمام…! ويعلنون أن خريجي التعليم المهني سيذهبون لسوق العمل أو الجامعات وكأنهم يأتون بجديد..! وهذا ما هو موجود حاليا… ! أي لا جديد..!
كتبت كثيرًا  في شجون وإشكالية التعليم المهني والتقني… وتمنيت أن تلتقط وزارة التربية و التعليم العالي والحكومة بعضا مما طرحت من باب الخبرة والتخصص… ولهثنا نحو البيتك…الزائر الجديد لتعليمنا المهني والذي أجزم أنه لم يتم عمل دراسة رصينة لاعتماده… وأذا كان هنالك ثمة دراسة نرجو أن يتم إعلانها…! إذ لا يصح اعتماد (البيتك) بالفزعة والقرارات الفردية… والذي كما أعلن سيزودنا بالبرامج..! ولدينا خبراء يقومون بذلك ويعملون مع دول أخرى في تحديث برامجها..! فمعضلات التعليم المهني لا تنحصر بجزئية البرامج لندفع الملايين لجهة اجنبية وكان من الأجدى وضع خطة إستراتيجية وطنية لتطوير التعليم المهني وتقديمها للملك وللوطن بدل صرف الملايين لشركات اجنبية لتعمل لنا برامج أو تبيعنا برامجها… مع احترامي لذلك… ولكن التعليم المهني بحاجة لدراسة متكاملة وتخطيط وطني… يقودنا للخروج من كل الهنات والزلات السابقة التي ما زلنا نقترفها… !
كتبت عبر سنين خلت عن إصلاح التعليم المهني
وأعيد لمن يقرأ…! وهذا بعضاً مما كتبت من باب المصلحة الوطنية… وأن لا يبقى التعليم المهني واستراتيجياته تائهة بين يدي من لا يعرفون وبعض البعض ممن يعرفون ولا يؤثرون..!
نتفق جميعا ونستمع كثيرا عبر فزعات خلت..! عن مواضيع تطوير التعليم وبالذات التعليم المهني والتقني، وما يؤسف ان التطرق للتعليم المهني والتقني أصبح ديكوراً وديباجة أو خاتمه أو حشوا في كلام البعض وتصريحاتهم من مسؤولين أو منظرين أو تربويين أو غيرهم، واجزم أن بعضهم لا يعرف من التعليم المهني والتقني إلا اسمه وكأن القضية من كماليات الأشياء او ألمحسنات اللغوية أو إثبات الحضور.. ! والواقع أن هذا النوع من التعليم واقصد التعليم المهني والتقني إضافة للهندسي هو أساس التكنولوجيا، التي تدير حياتنا، وتمدنا بالمنتجات والخدمات التي نحتاجها في مجتمعنا المتقدم الحديث والمعاصر، وسأقتصر حديثي هنا عن التعليم المهني والحالة الأردنية ولن استخدم لغة الأرقام التي اتركها للجان التطوير، لكني سأعرض وجهة النظر التربوية وما هو مطبق عالميا علنا نأخذ بتجارب الآخرين ونصل إلى تعليم مهني فعال يغذي ويزود سوق العمل بعمال مهنيين مهرة بمختلف درجات المستويات المهنية الأساسية لهرم القوى العاملة يكون رافعة للإقتصاد ويحد من نسب البطالة بين الشباب…!.
أولا: من حيث البرامج وحتى يكون لدينا حلقة متكاملة من التعليم المهني فيجب أن يقدم النظام التعليمي (التدريبي) وللعلم فأنا أتحاشى ذكر التدريب العملي مقرونا بالتعليم، لان النظم العالمية تعتبر التدريب وتعلم المهارة جزء لا يتجزأ من عملية التعليم والتعلم الموجه للمجال النفس حركي عند الإنسان، مع الجانبين المعرفي والوجداني، واكرر يجب على النظام التعليمي أن يقدم ثلاثة برامج متكاملة تغطي المراحل العمرية كافة، فالتعليم المهني يبدأ من المدرسة في المرحلة الأساسية، ومن خلال برامج التعليم المهني كجزء من التعليم العام، والتي تسهم في توعية الطالب بالمهن ومن ثم تهيئته للتعامل معها وإدراكها ومن ثم استكشافها والتعامل المباشر معها من خلال جوانب نظرية وعملية وتدريب يراعي المراحل النمائية لطالب مرحلة التعليم العام، وأيضا فمن أهم أهداف هذا البرنامج في هذه المرحلة أن نكون لدى الطالب موقفا و رغبة وميول و توجه نحو مهنة المستقبل، تكتسب من خلال التعامل مع المهن كما أسلفت وغير ذلك من الفوائد لهذا البرنامج وللعلم وكمثال فاللجنة التي وضعت الإطار العام للتربية المهنية في المركز الوطني هي من غير المختصين..! وذكرت المسؤول الأول بذلك وللأسف تم التجاهل… وسافتح الموضوع للرأي العام إذا لم يتم تصحيح الوضع..!.
ثانيا: برنامج التعليم المهني الذي يعد الفرد لمهنة ضمن مستويات المهن الأساسية المختلفة وهي المرحلة الثانوية أو من خلال مراكز التدريب المهني أي بعد الصف العاشر وتسمى مرحلة الإعداد وهي المرحلة المهمة لسوق العمل والتي يجب أن تؤهل الطالب بحيث يخرج لسوق العمل ولديه الكفايات والمهارات اللازمة لأداء المهنة التي تعلمها ضمن مستوى مهني معين من المستويات المهنية الاساسية التي تبدأ بمحدود المهارة ثم شبه الماهر ثم الماهر ثم المهني والمهني المتقدم، او حسب معايير تصنيفية عالمية اخرى غير نهج الشرائح والحزم مثل نهج التدرج او المختلط، وتعتبر هذه الفئة هامة جداً لان المهني هو المنفذ لكل الأعمال التي تزودنا بالخدمات والمنتجات.
ثالثا: برامج التعليم المهني المستمر أو ما يسمى ببرامج رفع الكفاءة أحيانا، وهذا النوع من البرامج هو مسؤولية النظام التعليمي ومسؤولية القطاع الخاص لأنه يعمل على رفع وتطوير كفاءة المهنيين في المهن التي يمارسونها بما يتواءم مع التطور التكنولوجي المتسارع في عالم المهن ويعد هذا النوع من أنواع تعليم الكبار.
وبعد أن نتأكد من وجود هذه الحلقة المتكاملة من البرامج ومناهجها التدريبية ذات المستوى المتقدم والشامل لكل المهن، علينا التأكد من النقاط التالية حتى نضمن تعليم مهني فعال يخرج مهنيين يقبلهم سوق العمل ويكونوا على سوية عالية ويمتلكون الكفايات التي تدخلهم سوق العمل بجدارة وهي:
1- استراتيجيات تعليم مهني وطنية محكمة ينفذها ويضعها ويطورها ويراقب تنفيذها جسم مستقل هيئة او غيره من المسميات مشابهة لمجلس التعليم العالي من المختصين في ظل تعدد الجهات الوطنية المشرفة على التعليم المهني وتعدد الاستراتيجيات ووجهات النظر وتكرارها وتشتت الجهود وهذا غير موجود لتاريخه… !.
2- ربط استراتيجيات التعليم المهني مع استراتيجيات التعليم التقني والهندسي من جانب بناء القوى البشرية والبرامج ومتطلبات سوق العمل، لضبط الكم والنوع بما يلبي حاجة سوق العمل المحلي والاقليمي من منظور وطني كلي متكامل.
3- إصلاحات تشريعية مستعجلة ومرنة مواكبة للتقدم الهائل في مجال المهن، بما يتناسب مع طبيعة المهن وتغيرها، تجمع كل ما يخص التعليم المهني في بوتقة واحدة وتوزع الأدوار للجهات المزودة للتعليم المهني سواء كانت وزارة التربية او مؤسسة التدريب المهني او القطاع الخاص وغيرها وتزيل التقاطعات فيما بينها.
4- توفير التمويل اللازم وهو مكلف بالمناسبة إذا أردنا تعليم مهني فعال ذو كفاءة عالية، اذا عرفنا ان طالب التعليم المهني يكلف من 8-10 أمثال طالب التعليم العام تقريبا ، وكذلك العمل على تشجيع القطاع الخاص لتبني التعليم المهني من خلال حوافز تشجيعية فعالة ومحكمة وقابلة للتطبيق وكذلك الاستفادة من الدعم الدولي لهذا النوع من البرامج وأؤكد هنا أن واحدة من أساسيات التعليم المهني التي تعلمناها ( هنالك حد أدنى من الكلفة الكلية للتعليم المهني إذا هبطت الكلفة عن هذا الحد فلا يمكن الحصول على تعليم مهني فعال وناجح) أي لا يجوز التقتير في قضية مستلزمات وأجهزة وأدوات التدريب والبنية التحتية البشرية والفنية للتعليم المهني، وهنالك نظم ومعايير عالمية لذلك يمكن الرجوع لها.
5- التركيز على توفير مدربين ومعلمين مهنيين بمستويات متقدمة ولا مانع لا بل يجب إبتعاث المعلمين المهنيين في دورات تدريبية في مختلف بلدان العالم المتقدم لاكتساب آخر المهارات المهنية، ولكي لا نبقى نعلم ونتعلم مهارات تقليدية عفا عليها الزمن، إذا علمنا أن قاعدة المسؤولية لدى معلم التعليم المهني أوسع واكبر منها لدى معلم التعليم العام.
6- توفير بيئة تدريبية تركز على اكتساب المهارات داخل المؤسسة التعليمية وكذلك في مواقع العمل بحيث يشكل التدريب في مواقع العمل جزءً هاما من الإعداد لمهني المستقبل من خلال مناهج وخطط دراسية وتدريبية محكمة يشارك فيها القطاع الخاص.
7- التركيز على تعيين إداريين للتعليم المهني على درجة من الوعي والمرونة والكفاءة، لان هذا النوع من التعليم لا تتماشى معه إدارات تقليدية منغلقة على ذاتها وغير مرنة تصل بالواسطات أو غيره.
8- والنقطة الأهم ، ما الفائدة من تخريج مهنيين بسوية عالية مع عدم وجود سوق عمل يستوعبهم وذلك لقصور المسؤولية الحكومية في تنفيذ حماية إغلاقية على المهن ضمن منافسة غير شريفة وغير متعادلة للعامل الوافد مع العامل الأردني!! إذا علمنا أن بلد مثل لبنان كمثال لديه إغلاق تام على ما يزيد عن 86 مهنة بحيث يقتصر التشغيل على المواطن اللبناني فقط ، وقد يقول قائل ان ذلك موجود في الأردن لكن الواقع يقول غير ذلك، إذا كنا جميعا نتعامل يوميا مع مهنيين في شتى أنواع المهن من جنسيات عربية وافدة أو مهاجرة ألينا!!وهذه المهن يعمل بها الآلاف من الوافدين وبالامكان احلال عمالة اردنية لتعمل بهذه المهن ونقلل من نسب البطالة بين الشباب، فإذا كان التشريع موجود فهو غير مطبق أو منفذ وهذه مصيبتنا لدينا أفضل القوانين في العالم وفي التنفيذ نحن مقصرون.
9- نقطة أخرى يجب عدم إغلاق نهايات أنظمة التعليم المهني(التجسير) كما ينادي بذلك البعض، لان ذلك سيحد من الإقبال عليها، ولكن يمكن تقنيين عملية الانتقال إلى مستويات تعليمية أعلى من خلال ضوابط وتعليمات مقننة لعملية الانتقال وضمن شروط معينة.
10- تحديد وهيكلة المهن التي يجب أن تكون ضمن المسار المهني الأكاديمي المؤدي إلى الثانوية العامة والمهن التي تحتاج إلى دورات قصيرة المدى تؤهل الفرد لمستوى عمل مهني محدد وتحديد الجهات التي يجب أن تقوم بذلك، وكما اعرف فإن وزارة التربية قد انتهت من ذلك من خلال لجنة لهيكلة التخصصات المهنية سابقاً، ولكن لا نعرف عن التنفيذالتنفيذ…!.
11- إيجاد حوافز للملتحقين في التعليم المهني ولدينا تجارب للمدارس المهنية في البدايات والتي تبناها الألمان ، حيث كان يصرف للطالب مصروف جيب وكانت المدرسة توفر للطلبة من الأماكن البعيدة السكن الداخلي والوجبات وغير ذلك، ولا أنسى انه يجب على التشريعات ان تحدد على الأقل حد أدنى لرواتب المهنيين يختلف ويزيد عن الحد الأدنى للرواتب في قانون العمل.
هذه مجموعة من النقاط التي أسعفتني بها الذاكرة والتجربة وهنالك غيرها ، وعلينا تجميع الجهود في إصلاح التعليم المهني، وجعله أولوية وطنية تتماهي مع توجيهات جلالة الملك وكذلك هنالك توصيات مؤتمر التطوير التربوي الذي عقدته وزارة التربية منذ فترة،ولا أنسى المقررات التنفيذية للجنة الوطنية لتنمية الموارد البشرية والتي أخذت بمجموعة كبيرة من النقاط التي ذكرتها والتي تقترب من 2025 عام نهايتها… ويبدو أنها دخلت في الموت السريري لإنعدام التنفيذ..!.
الصورة واضحة لكن يجب ان نبدأ مسيرة الإصلاح الفعال للتعليم المهني فقطار التقدم يسير بسرعة ولا ينتظر أحداً ولا يكفي التنظير والتصريحات بين حين وحين… ولا فعل حقيقي في الواقع….!، حمى الله الأردن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى