تقارير ديوان المحاسبة وادوات المحاسبة
ممدوح النعيم
يُعدّ تقرير ديوان المُحاسبة وثيقةً رسميةً بالغة الأهمية، يُعنى بتدقيق الحسابات المالية والإدارية للمؤسسات الرسمية، مُستنداً في ذلك إلى حقائق مُثبتة علمياً بأدواتٍ مُحكمة، لا يُمكن الطعن في مصداقيتها إلا من خلال مُعالجة الملاحظات والمعلومات المُسجلة فيه.
كشف تقرير ديوان المُحاسبة لعام 2023 عن اعتداءٍ صارخٍ على المال العام، وانتهاكٍ سافرٍ للقوانين والأنظمة، فضلاً عن قصورٍ في كفاءة بعض المؤسسات في إدارة الموارد العامة.
وبناءً على هذه المُعطيات الخطيرة، يتوجب على مجلس النواب، والحكومة، ووسائل الإعلام، اتخاذ جملةٍ من الإجراءات الحاسمة، لكشف المُتورطين في هذه التجاوزات، ومُحاسبتهم، ومنع تكرارها، وإحالتهم إلى القضاء لينالوا جزاءهم العادل.
يجب على أعضاء مجلس النواب دراسة التقرير بدقةٍ مُتقنة، مُقدمين اقتراحاتٍ تشريعيةً تُحسّن الأداء الحكومي، وتُعزز من حصانة ديوان المُحاسبة، مُمنحين إياه صلاحياتٍ مُوسّعةً تُمكّنه من مُباشرة مُعالجة التجاوزات المالية والإدارية، إما من خلال إحالتها مباشرةً إلى القضاء، أو من خلال تعاونه الوثيق مع هيئة النزاهة ومُكافحة الفساد، ليكون سداً منيعاً أمام أي محاولةٍ للنيل من المال العام.
وفي انتظار إقرار هذه التشريعات المُلحّة، يتعيّن على مجلس النواب الشروع في مُحاسبة الجهات الحكومية المُتسببة في التجاوزات والمُخالفات المُسجّلة في التقرير، وعرض نتائج التحقيقات على الرأي العام، لتعزيز ثقافة المُساءلة، وتأكيد عقاب المُتجاوزين على المال العام، ليكون ذلك درساً وعبرةً لمن تسوّل له نفسه المساس بهذه الثروة الوطنية التي هي حقٌّ أصيلٌ لكل فردٍ من أفراد المجتمع.
من المُفترض على الحكومات أن تُبدي استجابةً أسرع وأكثر فعاليةً من خلال توضيح الإجراءات المُتخذة بناءً على ما ورد في التقرير، مُبيّنةً الخطوات المُتّخذة، أو التي ستُتخذ، لتصحيح الأخطاء المالية والإدارية.
إنّ نشر المعلومات المُتضمنة في التقرير يُعبّر عن ثقةٍ بالغةٍ في الأداء الحكومي، وليس دليلاً على ضعفٍ كما يحاول البعض تصويره، إذ إنّ ديوان المُحاسبة مؤسسةٌ رسميةٌ رصينة، ومُضمون التقرير يُشير إلى قناعةٍ لدى صُنّاع القرار بأهمية المُكاشفة والمُساءلة كركائزٍ أساسيةٍ لدولة القانون والمؤسسات.
وهذا ما يدفع الحكومة، ومجلس النواب، والأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني، إلى وضع استراتيجياتٍ مُتكاملةٍ لتحسين الأداء العام، ليس فقط داخل المؤسسات الحكومية، بل في جميع المؤسسات التي تُدير المال العام، بما يُضمن الشفافية والنزاهة في كلّ مفاصل العمل.
أمّا دور وسائل الإعلام، فيتمثّل في تغطية مُوضوعيةٍ وجادّةٍ لمُحتوى التقرير، مُسلّطةً الضوء على أبرز ما جاء فيه، مُقدّمةً تحليلاتٍ مُعمّقةً من خلال التقارير والحوارات واللقاءات مع الخبراء والمُختصّين، لتوضيح أبعاد التقرير وتأثيره على المجتمع، والاقتصاد، والسياسات العامة للدولة.
إنّ التشاركية الحقيقية لا تتحقق إلا من خلال تعاونٍ مُخلصٍ ومسؤولٍ بين النواب والحكومة ووسائل الإعلام والأحزاب، التي تُمثّل حلقة الوصل بين المؤسسات الرسمية والمدنية، لضمان وصول صوت المواطن، وحماية حقوقه، ومُحاسبة المُقصرين، وبناء دولةٍ عادلةٍ قويةٍ قائمة على الشفافية والمساءلة.
فالمال العام هو مال الشعب، وحمايته مسؤوليةٌ جماعيةٌ تتطلب تضافر الجهود وتوحيد الصفوف.